برهن فريقُ العهد عن قدرةٍ فائقة في الجدل السياسي وفرض التنازلات على جميع الأطراف بعد تمكُنه من استدراجهم واحداً تلوَ الآخر الى تقديم تنازلاتٍ تنازلاً تلوَ الآخر. لكن يبدو عملياً أنّ العهد لم يكتفِ وها هو اليوم يلوّح «بحكومة الأكثرية» إذا لم توافق «جبهة المعارضة» على تقديم المزيد من التنازلات.
 

في المقلب الآخر يستغرب «فريق المواجهة» عدم اكتفاء العهد ويطرح عليه سؤالاً موحّداً: ماذا قدّم هو مِن تنازلات ؟ أوَليس العهدُ فريقاً اساسيّاً من ضمن «الجميع»؟!

المصادر المعارِضة لسياسة العهد ذكّرت بتلويح وزير العدل منذ قرابة الشهر، باللجوء الى خطوات دستورية إذا استمرّ تعطيلُ التأليف بحجّة أنّ الرئيس لن يقبل باستمرارها ملقياً اللوم على الرئيس الحريري والمعترضين. وتحت شعار «صبر اللبنانيين بدأ ينفذ» لوّح جريصاتي باجتهادات دستورية سيلجأ العهد اليها قريباً لفكّ أسر الحكومة. إلّا أنّ وزير العدل عَدل عن كشف مضمون تلك الاجتهادات الدستورية المفترَضة كما عدل عن تنفيذ وعيده.

المصادر نفسها تلفت الى الرسائل السياسية التي يبدو أنّ الرئيس فضّل في المرحلة الحالية إيصالها بالمباشر فلوّح «بحكومة الأكثرية» كخيار أخير.

المستقبل: نقبل إذا...!

بحسب مصادر تيار المستقبل قد يقبل الرئيس الحريري بحكومة أكثرية إذا كان التوازن التاريخي القائم بين 8 و14 آذار محفوظاً داخلها، لكنه لن يقبل بأن يكون القرارُ السياسي المحلّي أو الإقليمي تحت رحمة فريقٍ يترأسه «حزب الله»، وهو ليس على استعداد لتغطية هذا القرار. أما في حال تشكّلت حكومةُ أكثرية فترى تلك المصادر أنّ الحريري سيحصل فيها على 14 وزيراً وسيكون من ضمنهم حُكماً، حلفاء «قواتيون» و»جنبلاطيون» أي ضمن حصة الحريري ولو بشكل غير رسمي، وبالتالي سيتمّ الحفاظ داخل حكومة الأكثرية المفترضة، على التوازن السياسي.

إلّا أنّ مصادر المستقبل عادت لتؤكّد أنّ حكومة الأكثرية غير واردة وأنّ الحريري لن يوافق على حكومة يسيطر عليها سياسياً الطرفُ الآخر، وهو قال كلمته الأخيرة في هذا الإطار ومصرٌّ على حكومة الوحدة الوطنية وسيبقى صامداً رغم ضغوط العهد.

وتحذّر مصادر التيار الأزرق من أنّ إصرار عون على تأليف حكومة من لون واحد يعني عمليّاً انسحاب أو اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة، الأمر الذي لن يحصل.

وعن خيار حكومة الأكثرية لا تعتقد مصادر المستقبل انه وارد كما يشاع. وتضيف أنّ الرئيس عون ولو أراد تغيير الواقع الحالي فهو بحكم الدستور لن يستطيع، وقد حاول سابقاً عندما هوّل وزير العدل باستشرافِ اجتهاداتٍ دستورية تغيّر الواقع الحكومي، لكنه أيقن أنه لا يمكن تغيير ما هو مكتوب. فالدستور واضح ولا يمكن تغيير الواقع قانونياً، إلّا «بالبلطجة» فقط.

فيما يرى مراقبون أنّ خطوة عون الاخيرة هي للقول للجمهور إنه ما زال يملك القرار ولديه خيارات وما زال قادراً على التحكّم بمسار تلك الخيارات.
لكنّ مصادر التيّار الأزرق تعود وتذكّر من أنّ خيارات الرئيس يجب أن تكون دستورية وأنّ الرئيس القوي ليس مَن يملك خيارات مختلفة أو مَن يملك قاعدة شعبية ومَن يستقوي بالحلفاء الأقوياء، بل الذي يستقوي بالدستور. وتؤكّد أنّ أيَّ قرار بشأن حكومة الأكثرية لا يتمّ بالتفاهم مع رئيس الحكومة المكلّف، لن يؤدّي الى نتيجة.

هل تفرض الضغوط الاقتصادية تغييرَ مسار التأليف؟

تؤكد مصادر تيار المستقبل أن لا تنازلات اضافية من قبله وأنه قدّم أكثر ممّا يجب تقديمه لقيام حكومة العهد ولن يقدّم بعد الآن أيَّ تنازل. ويرى أنّ المطلوب اليوم هو تخلّي رئيس الجمهورية عن المطالب المضخّمة للتيار الوطني لأنه الوحيد الذي لم يقدّم تنازلات بل فقط طالب بالتنازلات! أما بالنسبة للمسألة الاقتصادية فلا يجوز رميُها على كتف سعد الحريري فقط بل على الموقع الدستوري الأوّل، أي رئاسة الجمهورية، خصوصاً في ظلّ حكومة تصريف أعمال، وتكشف: «نمر اليوم في مرحلة أسوأ من المرحلة السابقة لأننا تراجعنا الى المربّع «ناقصاً واحداً» ولم نعد في المربع «صفر».

حكومةُ الضرورة

تبقى حكومة الضرورة احتمالاً وارداً لأنّ لبنان اعتاد على تشريع الضرورة. لكن اذا طُعن لاحقاَ بالقرارات فعلى المجلس الدستوري الأخذ بتلك الطعون.
في المقابل يشير الخبراء إلى أننا في نظام برلماني ومجلس النواب سيد نفسه. فإذا وافق على أيّ قرار فلن يؤخذ بقرارات المجلس الدستوري ولا يمكن تغيير أيّ شيء على قاعدة «أنّ الضرورات تبيح المحظورات» أسوة بما حصل في جلسة تشريع الضرورة.
 

القوات: «ليست واردة»

مصادر قيادية في القوات اللبنانية تذكّر بأنّ الحريري أكّد أنه مع حكومة توافق وطني تعكس نتيجة الانتخابات، وتكشف أنه أبلغ القوات اللبنانية رسمياً بأنه ليس في وارد القبول بحكومة أكثرية.

وتشير تلك المصادر إلى أنّ خيار حكومة الأكثرية ليس مطروحاً لأسباب أهمها أنها لا ترتكز على قواعد سياسية تحدّد هوية الأكثرية والأقلّية وتسأل:

1- مَن مع العهد ومَن ضده؟

2- مَن المنتمي الى فريق 14 آذار ومَن انسحب؟.

3- ما هو الفرز السياسي الجديد؟

4- مَن يقيّم التموضع الجديد؟

5- هل نتائج الإنتخابات فرزت أكثريّة وأقلّية؟

6- هل «حزب الله» في وارد القبول بحكومة أكثرية؟ وهل هو مستعدّ في هذه المرحلة للعودة الى الصراع السياسي أم هو بحاجة للاستقرار؟ و هل يحتمل إخراج فريق أساسي من الحكومة وهو يعلم أنه بذلك يُدخل البلد في أزمة، لا سيما أنّ الحزب الاشتراكي يرفض أيضاً حكومة أكثرية؟.

7- هل يقبل الرئيس بري بحكومة أكثرية وهو أكّد منذ يومين أنه مع حكومة توافق وطني وضد حكومة الأكثريات فضلاً عن أن لا مقوّمات لقيام «حكومة أكثرية».