لم يكن كلام رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتنياهو عن وجود مخازن صواريخ لحزب الله في محيط مطار بيروت، وعلى مقربة من ملعب فريق العهد لكرة القدم، التابع لحزب الله، محاولة اسرائيلية للتدخل في بطولة الدوري اللبناني لأندية الدرجة الممتازة. هو أقرب ما يكون الى إعلان حرب تنشدها إسرائيل، وما زال يمكن تفاديها، ولو بصعوبة.

مطار بيروت هو الهدف الطارىء للحملة الاسرائيلية، التي إنطلقت منذ ان تحدثت محطة فوكس الاميركية الشهر الماضي، عن رحلات جوية ايرانية سرية نقلت اسلحة من طهران الى بيروت في وقت سابق من العام الحالي. وهو ما نفته السلطة اللبنانية رسميا. لكن الاميركيين لاحظوا في حينه أن النفي يوحي بان لبنان لم يلتزم بعقوباتهم الجديدة على إيران، وهو لا يبدي إستعداداً للالتزام بها كما فعل العراق على سبيل المثال.

هذا هو المغزى المباشر للحملة الاسرائيلية الاميركية، والتي تتضمن إنذارات سمعها كبار المسؤولين اللبنانيين، في اكثر من مناسبة ، بان لبنان يمكن ان يوضع على لائحة العقوبات الاميركية، ويمكن ان يتعرض لحصار مالي وتجاري مباشر يشبه الحصار المفروض على إيران، بوصفه متنفساً محتملاً للاقتصاد الايراني المحاصر، فضلا عن كونه يستضيف واحدة من أهم القواعد الصاروخية الايرانية المنتشرة خارج حدود إيران.

قطعُ الصلة اللبنانية مع إيران هو بند رئيسي على جدول الاعمال الاسرائيلي – الاميركي في المرحلة المقبلة، لا سيما بعدما عطل الطيران الاسرائيلي تقريبا حركة الملاحة (العسكرية والامنية) بين مطاري طهران ودمشق، حيث دمرت آخر غارة إسرائيلية على مطار المزة في الثاني من ايلول سبتمبر طائرة نقل عسكرية إيرانية. وما قاله نتنياهو في خطابه الاخير امام الجمعية العامة للامم المتحدة، يعني ان هذا البند اصبح أولوية مطلقة، خصوصا بعدما فرضت روسيا قيوداً على حركة سلاح الجو الاسرائيلي فوق سوريا، في اعقاب اسقاط طائرتها الاستطلاعية.

البداية هي من مطار بيروت، لكن ذلك لا يعني بالضرورة ان الصواريخ الاسرائيلية يمكن ان تسقط في اي لحظة على المواقع الثلاثة التي حددها نتنياهو وعرض صورتها في الامم المتحدة، كبديل عن الغارات الاسرائيلية المقيدة الآن على المواقع الايرانية في سوريا.. وإن كان مثل هذا الاحتمال وارداً، لأنه ليس ثمة ما يردع الجنون الاسرائيلي والاميركي، ولن يشكل تحذير وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قبل يومين من إنتهاك القانون الدولي وقرارات مجلس الامن، عائقاً. فالتحذير تضمن عرضاً صريحاً الى الاسرائيليين، للتفاهم على تسوية تبدد القلق الاسرائيلي، على غرار التسوية التي تمت في الجولان السوري، وأدت حسب تعبيره "الى تراجع الوحدات الايرانية أكثر من 100 كلم، بناء على طلب الاسرائيليين والاميركيين"، وبالتالي فإن مخاوف اسرائيل الأمنية في الجولان"تمت إزالتها ونفذنا ما وعدنا به".

المواقع الثلاثة التي حددها نتنياهو خيالية، ولن يكون المطلوب إبعادها شمالاً ، إذا وجدت. لكن مطار بيروت موجود، ويرجح ان يكون الاتجاه نحو فرض رقابة على حركة الملاحة عبره، وهو خيار معتمد الى حد ما بناء على قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 الذي انهى حرب العام 2006، والذي فرض مراقبة دولية على حركة الطيران وحركة السفن المتجهة الى لبنان، تضاءلت في السنوات القليلة الماضية، لكن أدواتها ما زالت قائمة ، ويمكن تفعيلها في اي لحظة.

لعل هذا ما قصده لافروف في اشارته الى ضرورة عدم إنتهاك القرارات الدولية التي يمكن تنفيذها، لأنه من المستبعد ان توسع موسكو مظلتها الجوية التي عززتها بصواريخ أس 300 في سوريا، لتغطي سماء لبنان. فمثل هذه الخطوة تشكل نقطة تحول استراتيجية في موازين القوى شرقي البحر المتوسط، أكثر مما تعني مواجهة مباشرة لا يرغب بها في الكرملين، مع اسرائيل التي كانت وستظل الصديق الاقرب لروسيا، والتي إستأذنها الروس قبل ان يقرروا الدخول الى "مجالها" المشرقي قبل ثلاث سنوات، من أجل إنقاذ النظام السوري الذي تود بقاءه.

أمام هذا التحدي الجديد، لا بد من القول ان قوة لبنان ليست في ضعفه ولا في مقاومته.. بل في قدرته على تفادي العاصفة الاسرائيلية -الاميركية الهوجاء التي تتجه نحوه بسرعة.