تتأرجح فرنسا بين منزلتين حيال تعاطيها مع لبنان. فهي الحريصة على استمرار العلاقة معه وقيادة مبادرات سياسية تخرجه من الفراغ الذي يعيشه. ولكنها في المقابل غير قادرة على تغطية الخروج عن النأي بالنفس. يبرز الموقف الفرنسي هذا في عدم حصول لقاء بين الرئيس ايمانويل ماكرون والرئيس ميشال عون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. جال السفير الفرنسي برونو فوشيه قبل فترة على المسؤولين اللبنانين لاستمزاج الآراء حيال القيام بمبادرة تتعلق بتشكيل الحكومة، لكن ه اصطدم بتصّلب الأفرقاء.

وبعدما كانت باريس حاضنة العهد الحالي، تبرز إشارات سلبية من جهتها حيال الوضع في لبنان، وفي مواضع مختلفة، أولها ملف النازحين السوريين، وثانيها تعاطي لبنان الرسمي مع الاستحقاقات الدولية وفي مقدّمها كلام الرئيس عون لصحيفة لو فيغارو وفي الأمم المتحدة.

موقف لبنان من النازحين استدعى ردّاً فورياً من ماكرون، الذي استغرب إصرار لبنان، في هذا التوقيت، على مطالبة النازحين السوريين بالعودة إلى سوريا، مشدداً على أنه "لا يمكن أن يعود هؤلاء النازحون قبل وجود حل مستدام للأزمة في بلدهم". وقال ماكرون إن "فرنسا ملتزمة بمساعدة لبنان، لكننا بحاجة إلى حل مستدام للأزمة السورية". وسأل: "هل تعتقدون أن دفع النازحين إلى العودة إلى سوريا، وبعد ما يحدث في إدلب، هو حل مستدام؟ من المستحيل أن يعودوا دون إيجاد حل سياسي مستدام.. هناك قانون دولي يجب احترامه هنا، كما يجب احترام كرامة النازحين".

تعتبر بعض المصادر أن الرفض الفرنسي لإعادة النازحين قبل الحل السياسي، ينطلق من خلفية العقل الفرنسي العام الذي يركز على الحفاظ على حقوق الإنسان، لأن هذه العودة قد تشكل خطراً على هؤلاء في ظل عدم استتباب الأمن هناك. وتعتبر المصادر أن الموقف ليس له خلفيات او دلالات في انتقاد الموقف اللبناني، وإن كان يصب في هذا السياق. ولا تخفي المصادر وجود سخط من الإدارة الفرنسية على آلية التعاطي اللبناني بلا مسؤولية مع ملف النازحين، ربطاً بفشل المبادرة الروسية التي لم توفر أي شروط آمنة لنازحين وعودتهم.

ولا يمكن فصل هذا الاعتراض على خلفية ملف النازحين، عن الاعتراض الفرنسي على المضمون السياسي لمواقف رئيس الجمهورية، إذ ذهب ماكرون إلى التناغم مع المواقف الأميركية. وعدم لقاء الرئيس الفرنسي الرئيس عون، يحمل إشارة، خصوصاً أن عدم حصول اللقاء هو الاستثناء. صحيح أن فرنسا تعترض على فرط الاتفاق النووي مع إيران، ولكن موقف الرئيس الفرنسي في الأمم المتحدة، يوضح حصول بوادر اتفاق أميركي أوروبي في شأن التعاطي مع إيران. وفي هذا السياق تأتي رسالة ماكرون القاسية تجاه إيران وحلفائها وتقديمها الدعم لهم.

كذلك، تسجّل فرنسا مزيداً من الاعتراضات على لبنان، الذي لم يلتزم بمندرجات الاصلاح التي يتطلّبها تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر. وتعتبر نفسها أصيبت بخيبة أمل لبنانية أمام المجتمع الدولي، إزاء دعوتها دولاً ومؤسسات عالمية لمساعدة لبنان، ولكن بشروط الاصلاح والاسراع في إنجاز الاستحقاقات السياسية، لكنها اصطدمت بجدار الخلافات اللبنانية. ما وضعها في موقع حرج مع تلك الدول والمؤسسات.

وما يتزامن مع هذه الإشارات الفرنسية هو الضغط الأميركي على حزب الله، إذ يجري الاستعداد في الكونغرس لإقرار اقتراح قانون مقدم في مجلس الشيوخ، لتشديد العقوبات المالية على حزب الله، وعلى كل من يتعاطى معه مالياً، بالإضافة إلى مناقشة اقتراح قانون آخر تحت عنوان قانون نزع سلاح حزب الله، المقدّم من سيناتورين جمهوري وديمقراطي، سيحاولان إقراره قبل انتخابات الكونغريس، في وقت ستدخل فيه العقوبات على إيران حيز التنفيذ.