شَهرُ حصاد الحشيشة» في البقاع بدأ. غالباً ما يُحصد القنّب الهندي بين أيلول وتشرين الاوّل، ثم يُحَوّل إلى حشيشة». منذ عام 2012 اختفت الجرارات والجرافات التي تستقدمها القوى الأمنية لتلفِ الحشيشة. فقبل طرح تشريع الزراعة قانوناً وتقديم اقتراح قانون بهذا الخصوص، شُرِّعت هذه الزراعة ضُمناً بغض نظر الدولة عنها لأسباب عدة، إقتصادية - اجتماعية - أمنية - زراعية، وأوّلها وأهمّها فشل الدولة وإهمالها.
 

في منطقةٍ تُشكِّل مساحتُها ثلثَ مساحة لبنان وتفتقد مقوّماتُ الحياة الأساسية في القرن الحادي والعشرين، حيث لم تصل الدولة بعد بخططها ومشاريعها، إضافةً إلى حماية بعض المواطنين أرضَهم المزروعة بالحشيشة بالسلاح و«الدماء»، ارتأت الدولة «إسكات» هؤلاء وتغطية فشلها بتغطية هذه الزراعة عـ«السَكت».

جولة ميدانية
في جولةٍ ميدانية لـ«الجمهورية» في سهل البقاع، تبيّن أنّ الحشيشة «عَ مدّ عينك والنظر». صعبٌ على السيارات غير رباعية الدفع سلوك طريق السهل. ومن المُستحيل أن «تعرف كيف تفوت وكيف تطلع». السهل واحد واسع ومُتشابه، من أيّ نقطة ومهما طاول نظرك من مساحات، هناك مساحات أكثر وأبعد. بعض الملّاك، لا يعلمون أين هي أراضيهم، بعضٌ آخر لا يعرف كيف يصل إلى أرضه، والبعض «حفّظته» الدابة الطريقَ. معظم المزارعين ينوّعون بزراعتهم، بين البطاطا والبصل وكروم العنب... والحشيشة. إلّا أنّ الحشيشة، هي الأقلُ كلفةً والأكثرُ ربحيّة، وتتحمّل الجفاف القاسي. المياه تجعلها «خضرا» أكثر، لكنها تعيش من دون مياه. ومن المعروف أنّ الحشيشة المزروعة في لبنان من الأكثر جودة عالمياً، وقد صنّف تقريرٌ لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة الصادر عام 2011 لبنان واحداً من أكبر خمسة مصادر للحشيشة في العالم.

المزارعون: لا للتشريع!

مزارعون خائفون من تشريع الزراعة لدواعٍ طبّية، فستُستبدل ساعتئذ النبتة التي يزرعونها، ما يرفضونه لظنّهم أنّ النبتة التي يزرعونها حالياً تجني لهم أرباحاً أكثر ممّا قد تجنيه النبتة التي لا تُحوّل إلى «سيجارة حشيشة».

النائب أنطوان حبشي ابن بعلبك – الهرمل «موطِن» زراعة الحشيشة، الذي تقدّم باقتراح قانون تشريع زراعة النبتة، يُبدِّد هذا الاعتقاد، موضحاً عبر «الجمهورية» أنه أثبت عبر الدراسة التي أعدّها بأنّ الأرباح التي يجنيها المزارع من الحشيشة أقلّ من تلك التي سيجنيها من نبتة القنّب الذي يُستخدم لدواعٍ طبّية.

إذن، التاجر هو مَن يخسر من تشريع القنّب الذي لا يُمكن تحويله إلى حشيشة إذ نسبة المُخدِّر فيه قليلة. هذا التاجر المعلوم – المجهول الذي يستطيع بتغطية من جهات معلومة – مجهولة، تصريفَ البضاعة في الخارج وإرسالها عبر الحدود أو المرفأ أو المطار، والذي يشتري الإنتاج من المزارع بأسعار بخسة فيجني أموالاً طائلة من تجارة الممنوعات لن يكون راضياً وسعيداً بهذا القانون، والجهة التي تغطيه لن تكون بدورها مرتاحة أو سعيدة. فهناك تجار بنوا «ممالك» في البقاع من جراء بيع الحشيشة، فيما لا يغتني المزارع غير التاجر.

وفي حين يُقدّر مجموع نسبة المزارعين في البقاع بـ60 في المئة، يجني المزارع من دونم الحشيشة على صعيد المثال نحو 600 أو 700 دولار أميركي، فيما أنه سيجني أكثر من ذلك حين تكون هناك زراعة طبّية وتنوجد شركات خاصة تشتري الإنتاج.

وفي حين لم يلحظ حبشي في اقتراح القانون تحديد زراعة القنّب في بعلبك – الهرمل، إلّا أنه يعتبر أنها ستأخذ هذا الاتّجاه تلقائياً بحكم العوامل الطبيعية، وقد لمس ذلك من خلال مشاوراته مع شركات متخصّصة، فطبيعة المناخ والأرض والتربة في بعلبك – الهرمل تناسب هذا النوع من الإنتاج.
يهدف اقتراح القانون المعجّل المكرّر الذي قدّمه حبشي إلى تحويل سلبية هذه الزراعة الى ايجابية. ويقوم جوهر القانون على استثناء نبتة القنّب من الحظر بإطار قانون كامل يسمح بضبط الإنتاج لغايات طبّية وعلاجية.

رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبّر أخيراً عن اتّجاه المجلس لهذا التشريع، لاقى «القوات اللبنانية» على طريق تشريع نبتة القنّب، فأحال اقتراح القانون الذي قدّمه حبشي إلى اللجان النيابية المشترَكة لدرسه. الاقتراح لم يُدرَس بعد، وبالتالي لم يرِد ضمن بنود الجلسة التشريعية الأخيرة. إذاً، لا يبدو أنّ مسارَ تحويل الاقتراح إلى قانون سيكون سريعاً، بل قد يستهلك كثيراً من الوقت إلى حين إقراره من الهيئة العامة لمجلس النواب.

فماذا بعد تقديم اقتراح القانون؟

يتواصل النائب البقاعي مع كلّ الكتل النيابية لتحديد مواعيد ليشرح للنواب مضمون الاقتراح وفعاليته وأهدافه. كذلك، حدّد حبشي موعداً مع بطريرك الروم الكاثوليك يوسف الأول العبسي وسيطلب موعداً من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خصوصاً وأنّ مجلس المطارنة عبّر عن حذره من هذا التشريع. وسيجتمع حبشي مع كل المرجعيات المؤثرة في هذا الموضوع. فيهمّه أن «يعلموا أننا لا نُشرِّع الحشيشة، بل نوعاً آخر من نبتة القنّب لإنتاج طبّي».

وإن سلك القانون طريق التشريع، مَن سيقوده على طريق التنفيذ؟

حسب رؤية حبشي واقتراحه، إذا سلّمنا هذا القطاع لإدارة عامة نكون ارتكبنا الخطيئة المميتة. فللدولة حقّ الرقابة لضبط موضوع الإنتاج، ولكن يكون القطاع مفتوحاً لتنافس الشركات الخاصة، كي لا تملك أيُّ جهة الحصرية، الدولة أو غيرها، لأنّ الحصرية ستكون على حساب المزارع. أمّا في حال تنافست مجموعة شركات خاصة سيكون وضع المزارع هو الأقوى.

التجربة تثبت أنّ هذا التوجّه هو الأفضل، إذ إنّ غالبية الدول التي كانت ناجحة بإداراتها العامة تذهب نحو الخصخصة كـ«أمنا الحنون» فرنسا. ومن المعروف على الصعيد العالمي أنّ إنتاجية الإدارات العامة أقل من تلك الخاصة فكيف بالإدارة العامة بلبنان، التي برهنت عن عجزٍ وفساد وهدرٍ في أكثر من قطاع؟ 

وعلى صعيد ربحية الدولة، يرى حبشي أنّ الخصخصة ستحقّق ربحاً للدولة أكثر من الربح الذي سيحققه القطاع إن تولّته إدارة عامة، لأنّ ضبطها سيكون واضحاً وإدارتها أوضح وأرباحها أعلى. وحين يستفيد المزارعون تستفيد الدولة بنحو أكبر فهذا القطاع يحقق دورة اقتصادية كاملة.

«حزب الله» وتشريع القنّب

إلى جانب «القوات»، لحركة أمل و«حزب الله» دور فعّال ومؤثر في بعلبك – الهرمل، وعن التواصل الثلاثي حول هذا الموضوع، اجتمع حبشي ببري وقدّم له اقتراح القانون وسيجتمع به مجدداً أو بمستشاريه المختصّين لمناقشة الاقتراح بعد أن يطّلع بري عليه. ولمَس حبشي من خلال الاجتماع، امتلاكَ بري اطّلاعاً واسعاً ووافياً، فأطلع حبشي على أهم دراسات الدكتوراه في العالم في هذا المجال.

كذلك، تواصل حبشي مع عضوَي كتلة «الوفاء للمقاومة» النائبين عن بعلبك – الهرمل إيهاب حماده وعلي المقداد، فوعد حماده بطرحه على الكتلة. لغاية الآن، لا موقفَ لـ«حزب الله» من تشريع القنّب، ولكن حبشي سيستمرّ بالتواصل مع نواب الحزب الزملاء، فـ«لن يكون حزب الله غائباً عن نقاش قضية تهمّ كل أبناء بعلبك – الهرمل».

لا جوابَ صريحاً للحزب حول هذا الموضوع، الذي تدرسه القيادة، حسب مصادر «حزب الله»، التي تجزم عبر «الجمهورية» أنّ «الحلّ سيكون مُشترَكاً وبالتنسيق الكامل مع بري».

أما عن التنسيق مع «القوات»، فتقول المصادر: «ننسّق تحت عناوين تقنية تتعلق بقضايا معيشية لا عنوانَ سياسياً لها، إن عبر اللجان النيابية أو الحكومة».

التنسيق يطال كلّ نواب البقاع الذين يجتمعون في المجلس النيابي، علّهم يتمكّنون من تعويض الحرمان الذي عانى وما زال يعاني منه البقاع.

إقتصاد منطقة بعلبك – الهرمل يقوم بنحوٍ أساسي على الزراعة والسياحة، فكيف يتعزّز اقتصادها الزراعي في ظلّ شحّ المياه وأزمة الكهرباء وغياب البنى التحتية، فهناك بلدات تفتقد الصرف الصحي وأخرى لا تصلها مياه الشفة، إلى جانب غياب المؤسسات. فمن المفترض أن تُقسم المنطقة إدارياً بنحوٍ يسمح بالإدارة الفاعلة.

كذلك، يرتبط اقتصاد المنطقة السياحي بالأمن، ووجود الدولة، ولكن ليس بخطة موقتة، بل يجب أن تنوجد الدولة دائماً وبالتساوي. وبالتالي تشريع القنّب وعدم تحويله إلى قطاع غير مُنتج عبر الإدارة الفاشلة، سيُشكّلان الخطوة الأولى لعودة الدولة إلى هذه المنطقة أو لإعادة بعلبك – الهرمل إلى خريطة الدولة الإنمائية، إن وُجدت.