عشر دقائق، وربما أقل، استهلكت لدى البحث في العُقد التي تعوق تأليف الحكومة بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، فالبحث تناول ما طرحه جعجع على الحريري جراء الوضع المقفل في التأليف ومفاده ضرورة اجتماع الحكومة، تحت عنوان ضرورة اتّخاذ قرارات جراحية صعبة، تماماً مثلما التأم المجلس النيابي، وعلى جدول أعماله 16 مشروع قانون مرتبطة بمؤتمر «سيدر» وبملفات لا تتحمّل التأخير.
 

في معلومات لـ»الجمهورية» أنّ جعجع قصد من لقائه بالحريري شرح وجهة نظره في موضوع «حكومة الضرورة» نظراً الى أنّ أيَّ بحث اضافي في تذليل الصعوبات التي تعوق تأليف الحكومة لم يعد مُجدياً بعد تدرّج «القوات» في تقديم التنازلات وتصاعد «التيار الوطني الحر» في طلب المزيد، بحيث شعرت «القوات» أنها كلما قدّمت المزيد كلما طُلب منها المزيد، ولهذا عادت الى السقف الأول مطالِبةً بثلث المقاعد الوزارية المسيحية، وتمسّكت به، الى درجة أنّ جعجع تحفّظ حتى عن مجرد الاستماع الى أيِّ عرضٍ تنازليٍّ آخر، قاطعاً الطريق على مجرد احتمال التفكير في تقديم تنازل جديد.

وترى «القوات اللبنانية» أنّ الصيغة الاخيرة التي عُرضت عليها في وسائل الإعلام هدف منها مسرِّبوها الى جسّ النبض فإذا وافقت «القوات» كان به، وإذا رفضت يغسلون أيديهم منها كأنهم لم يقدّموها أو يتبنّوها، وهذا ما حدا بجعجع الى قطع الطريق على مجرد البحث فيها.

الواضح من عودة «القوات» الى المربّع الأول أنّ هناك يأساً من إمكان حصول تغيير في موقف «التيار الحر»، الذي يعتقد أنه يقضم حصة «القوات» تدريجاً، وبناءً على ذلك وضِعَ الحريري في هذه الاجواء التي باتت تملي سلوك طريق آخر إذا ما استمرّ تعطيل تأليف الحكومة، وهو طريق عودة الحكومة الى الاجتماع، وتحضير جدول أعمال طارئ يؤدّي الى اتّخاذ قرارات جراحية، نظراً الى حراجة الوضع الاقتصادي ودقته، حيث تتحدث تقاريرُ اقتصادية عالية الصدقية عن صعوبته.

وفي المعلومات أنّ جعجع بدأ قبل زيارته الحريري واستمرّ بعدها في عقد سلسلة اجتماعات مع خبراء اقتصاديين، لبلورة تصوُّر اقتصادي ودرس ما يمكن أن يقترحَه وزراء «القوات اللبنانية»، أو ما يمكن أن يقوله هو في مؤتمر صحافي، عن سبب دعوته الى اجتماع الحكومة للضرورة، وهو اجتماع، في رأي «القوات اللبنانية»، لم يعد يتحمّل التأخير إذا استمرّت أزمة تأليف الحكومة، وهي على الأرجح مستمرّة.

وتضيف المعلومات أنّ الحريري كان منفتحاً على فكرة اجتماع الحكومة، وسط تساؤل عن موقف الرئيس ميشال عون من هذه الخطوة، التي ستعني أن لا تشكيل حكومة في الأفق.

ووفق رؤية «القوات»، فإنّ اجتماع الحكومة يجب أن يناقش ملفات الضرورة القصوى، تماماً كما حصل في جلسة المجلس النيابي، ومن هذه الملفات التي يعكف جعجع على درسها، اتّخاذ قرار بحلّ جذري لموضوع الكهرباء لوقف الهدر الكبير ووقف نزف الخزينة السنوي الذي يقارب المليارَي دولار، كذلك إتّخاذ قرار بإشراك القطاع الخاص في ملف الاتصالات، وقرار آخر بالوقف الكامل للتوظيف في مؤسسات الدولة، وقرار بالضبط الصارم للتهرّب الضريبي، والالتزام بالجباية في مرافق الدولة، وهذه، وفق الدراسة والرؤية الاقتصادية، يمكن أن توفّر ثلاثة الى اربعة مليارات دولار سنوياً، وتؤدّي الى وقف الهرولة نحو الأزمة الاقتصادية الوشيكة.

ويبقى السؤال: إذا كان الحريري منفتحاً على النقاش في عودة الحكومة الى الاجتماع للبتّ في قضايا لا تتحمّل التأخير، لماذا لم يعد حتى الآن الى مكتبه في السراي الحكومي لممارسة حقه الطبيعي في تصريف الأعمال؟ وماذا سيكون موقفُ رئيس الجمهورية؟ وهل سيعتبر أنّ عودة الحكومة الى الالتئام، ولو تحت عنوان الضرورة القصوى، هو سحبٌ لورقة تفاوضية ثمينة من يده؟ وهل سيعتبر انّ ذلك هو وجه من وجوه إدارة الفراغ الحكومي، وبالتالي سيرفضه، لأنه سيُعتبر تسليماً بعدم تأليف حكومة، وتسليماً بأنّ عهده بات عهد تصريف أعمال هو الآخر؟