أفرز إقرار قانون «معاهدة تجارة الأسلحة» في البرلمان اللبناني، أول من أمس، انقساما داخليا بين مؤيد لإقراره، وممتنع عن التصويت، ورافض له، وهو الموقف الذي عبر عنه «حزب الله» وحلفاؤه الذين ينظرون إليها «بعين القلق».

ولا يرى عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب فادي سعد من داعٍ للهواجس، قائلا إن ما تم إقراره هو «معاهدة دولية مرتبطة بتجارة الأسلحة، لكي يكون للأسلحة قيود تضمن عدم وصولها إلى أيدي منظمات إرهابية»، لذلك قال سعد: «الحزب غير معني بها، لأن سلاحه يأتي من إيران ولا يشتريه، كما أن الحزب ليس دولة، بينما المعاهدة هي بين الدول».

وأكد سعد لـ«الشرق الأوسط» أن لبنان «لا يستطيع أن يكون خارج الدول التي وقعت على معاهدة دولية للحد من السلاح المتفلت والحد من وصوله للمنظمات الإرهابية»، بينما الحزب «هو خارج منظومة هذه المعاهدة لأن سلاحه من إيران».

وطالب نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» بإعادته إلى اللجان، قبل أن يسقط الاقتراح بالتصويت، فانسحب النائب علي عمار احتجاجا، معتبرا أنه «يستهدف سلاح المقاومة». أما زميله نواف الموسوي فقال: «العدو الإسرائيلي شريك في اتفاقية تجارة ونقل الأسلحة ولا مصلحة للبنان بالتوقيع عليها». أما عضو «تكتل لبنان القوي» حكمت ديب، فاعتبر أن «توقيع المعاهدة قد تقصد به المقاومة بحجة نقل وتجارة الأسلحة». عندها تدخّل الرئيس المكلّف سعد الحريري، فأكد أهمية المشروع وقال: «لا علاقة لاتفاقية معاهدة تجارة الأسلحة ونقلها بسلاح المقاومة، ويجب على لبنان توقيعها لأنها تصب في مصلحته».

وفيما انقسم نواب «تكتل لبنان القوي» حول الموافقة على القانون أو التصويت ضده أو الامتناع عن التصويت، لم تصوت «حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري ضد المعاهدة، بل امتنعت عن التصويت، علما بأن الحركة تعد أحد أبرز حلفاء الحزب في الداخل اللبناني. ويعود ذلك إلى أن الحركة وكتلتها النيابية «التنمية والتحرير» تنظر إلى المعاهدة بوصفها «مصلحة للبنان واللبنانيين، بغض النظر عن أي مواقف أخرى»، بحسب ما قال النائب ميشال موسى، أمس.

لكن الحزب، ينظر إلى نصوص المعاهدة على أنها «تفتح بابا يثير القلق»، بحسب ما قال المحلل العسكري القريب من الحزب د. أمين حطيط، مستنداً، في تصريح لوكالة الأنبار «المركزية»، إلى «تفاوت سقف الثقة في الذين سيطبقون القانون، وهذا الأمر معروف، يمكن تضييق أو توسيع التطبيق، ويلعب العامل الاستنسابي دوره في هذا الموضوع».

في المقابل، شدد النائب فادي سعد، وهو عضو لجنة «الدفاع والداخلية» في البرلمان، على أن القانون «لا تأثير له على الحزب»، لكنه لفت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحزب «عنده هواجس معينة، ويعتبر أن كل ما يتعلق بسلاحه، حساس، ويتعاطى معه بحساسية مفرطة»، مضيفاً: «لا لزوم لهذا التحسس، كونه لا أحد في لبنان يخطط لمعركة بخصوص سلاح الحزب، ومواقف كل المكونات واضحة لأنه ليس بالخديعة أو القوة يسحب السلاح. بل نحن طالبنا وما زلنا نطالب بوضع السلاح بكنف الدولة، وهو سلاح آيل للزوال ولا لزوم له في ظل الدولة في نهاية المطاف». ومع ذلك، رأى سعد أن ردة فعل الحزب «باتت أقل حدة، من العادة»، معربا عن اعتقاده أن الحزب اليوم «واعٍ للمخاطر القادمة على لبنان ويتصرف على أساسها بالحد الأدنى، وهو ما نلحظه بتغير في خطاب الحزب وليونة تصرف نوابه على المستوى الشخصي، ما يعني أن الحزب بدأ بالالتفاف للداخل بالمعنى الإيجابي، وهو التفاف غير كافٍ برأينا ونطالب بالمزيد».

و«معاهدة تجارة الأسلحة» هي معاهدة دولية دخلت حيز التنفيذ في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2014، وأقرتها 85 دولة حول العالم، ووقعت عليها 130 دولة. وقال مستشار رئيس الحكومة للأمن الإنساني، ورئيس «حركة السلام الدائم» فادي أبي علام لـ«الشرق الأوسط» أن «الجدل كان معظمه بغير محله» بالنظر إلى أن «المعاهدة تنظم حصرا الاتجار بالأسلحة بين الدول وليس داخلها التي تعتبر مسألة سيادية، وتتحمل الدول المسؤولية المباشرة داخلها من ناحية التنظيم».

وقال إن المعاهدة «تترك الحق للدول للدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة»، مشيرا إلى أنها «جاءت على خلفية عدم تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية، أسوة بأسلحة الدمار الشامل مثل البيولوجية والكيماوية والنووية التي صدرت معاهدة حظر انتشارها». وقال: «أهمية المعاهدة تنطلق من كون الاتجار بالأسلحة التقليدية بات هائلاً، ولبنان يحتل المرتبة التاسعة في قائمة حيازة المدنيين للسلاح الخفيف والمتوسط بحيث تتواجد 32 قطعة سلاح لكل 100 فرد لبناني». وأكد أن المعاهدة «تنسجم مع مقاصد الأمم المتحدة للحفاظ على السلام الدولي وتخفيف عدد الضحايا البالغ 4000 ضحية يوميا حول العالم، وتضبط الاتجار غير المسؤول، وتعزز التعاون والشفافية في هذا القطاع»، علما بأن العام 2017 سجل 499 ضحية في لبنان نتيجة السلاح الفردي.

وتغطي المعاهدة الأسلحة التقليدية بأكملها، بينها الطائرات الحربية والمروحيات، والمدرعات والدبابات والمدافع، كما تغطي كل ما هو في البحر، فضلا عن الأسلحة الصغيرة والخفيفة والذخائر وقطع الغيار والتجهيزات التي تدخل في إطار المعاهدة.

وقال أبي علام إن المعاهدة تغطي حظر الاستيراد والتصدير وعمل الوسيط التجاري، والعبور فوق لبنان وإعادة شحن الأسلحة، وهي تراعي قرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني (قانون الحرب)، وتمنع توريد الأسلحة للأماكن التي تحصل فيها جرائم حرب، علما بأن الحروب تندلع في هذه الأوقات في 100 نقطة نزاع حول العالم، فيما نصف واردات الأسلحة في العام 2017 وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط.

وأكد أبي علام أن لبنان بموجب هذا القانون «يوضع بمصاف الدول الحضارية»، لافتا إلى أن الأوروبيين دفعوا باتجاه إقرار المعاهدة، وكانت المغرب من الدول التي تقدمت بمشروع القانون للأمم المتحدة، بينما وقعت إسرائيل والولايات المتحدة من غير أن يصادقا على المعاهدة، فيما لم توقع روسيا والصين وإيران عليها. أما لبنان، فوقع قبل عامين على المعاهدة، وصادق عليها مجلس النواب أول من أمس، وتحتاج إلى 60 يوما كي تنشر في الجريدة الرسمية بعد توقيع رئيس الجمهورية عليها. وأكد أبي علام أن «قوتنا تتمثل بالالتزام بالقوانين الدولية، والمعايير التي نتحدث عنها حقوقية».