ليست المرّة الأولى التي يلجأ فيها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الإشارة للجوئه إلى خطوات من شأنها تسريع إنجاز التشكيلة الحكومية. سابقاً، كان قد حدّد موعد الأول من أيلول للتشكيل، وإلا سيكون له كلام آخر. فيما بعد، اعتبرت المهلة للحثّ والتحفيز وليس للاجبار. وحينها تلقّف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وسحب فتيل المسألة بتقديمه صيغة حكومية لم يوافق عليها الرئيس إذ أبدى ملاحظات عليها، وطالب الحريري الإلتزام بها. اليوم، تشير بعض المعطيات والتسريبات، إلى أن الرئيس بصدد اتخاذ خطوة جديدة بعد عودته من نيويورك.

لا اجابات بشأن ماهية هذه الخطوة، ولا بشأن تأثيرها. أما فكرة التلويح بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي، فيبدو أنها أصبحت مستبعدة لجملة أسباب. أولاً، إن عون حريص على العلاقة مع الحريري، وهو يعلم أن الأخير يريد الاستمرار بالتسوية لكنه محكوم ببعض الظروف الداخلية والخارجية، ولا بد من انتظار ظرف معيّن يتيح للحريري التناغم مع طروحاته. وثانياً، إن عون تلقى رسائل بمثابة ردود مفادها أن أي رسالة من هذا النوع ستؤدي إلى اشتباك سياسي حول الصلاحيات في أي جلسة قد يعقدها مجلس النواب لمناقشة تأخير تشكيل الحكومة. وأول النقاشات سيفتح بتوجيه الأسئلة إلى رئيس الجمهورية وليس إلى أي طرف غيره، على غرار الدوافع التي أملت عليه رفض الصيغة التي تقدّم بها الحريري، وما هي صلاحياته في هذا المجال، وأن الدستور لا يسمح له بذلك، وإلى أي دستور يستند لرفض صيغة حكومية قدّمها الرئيس المكلف.

وسيفتح ذلك الباب أمام نقاشات لا تنتهي، ولا تخرج من دوامة لا نهاية لها بتقاذف النظريات القانونية، إذ إن الفريق المساند للحريري سيعتبر عون متجاوزاً الدستور، لأن مسار تشكيل الحكومة واضح، وكذلك بالنسبة إلى اسقاطها، الذي لا يتم إلا في مجلس النواب، وبحجب الثقة عنها. بالتالي، كان على عون الموافقة على الصيغة واحالتها إلى المجلس النيابي حيث يتم رفضها هناك، ويجري العمل على إعادة إجراء استشارات وتكليف رئيس جديد للحكومة.

لكن، في المقابل، ستجابه هذه النظرية بوجهة نظر قانونية أخرى، هي أن الحريري لم يقدّم تشكيلة نهائية إلى الرئيس، بل قدّم تصوراً، والتشكيلة النهائية يجب أن تحوي حصصاً وحقائب واسماء، وبما أن ذلك لم يحصل، يمكن للرئيس واستناداً إلى صلاحية توقيعه وتوافقه مع رئيس الحكومة المكلف عملية التأليف، أن يبدي رأيه وملاحظاته. وأي خروج عن هذه السياقات سيعني إدخال لبنان في أزمة دستورية وسياسية لن يكون من السهل الخروج منها، إلاً بالخروج من الطائف والتركيبة ككل وإعادة طرح صيغة حكمية جديدة.

وتشير مصادر متابعة إلى أن الرئيس ينتظر خطوة جديدة من الرئيس المكلف، على أن تتضمن هذه الخطوة تقديم صيغة جديدة، تتلاءم مع بعض الملاحظات التي أبداها الرئيس، لكن حتى الآن غير معروف مدى التنازل او التسهيلات التي سيجري تقديمها، وإذا ما كانت سترضي رئيس الجمهورية وفريقه. بعض القوى أبدى استعداداً للتتنازل، على الرغم من تفضيل وصف هذا التنازل بالتسهيل، ولكن إشارات أخرى تفيد بأن عون يعتبرها غير كافية، وهو يتمسك بكل مطالبه، ولن يتراجع قيد أنملة عنها. ولدى سؤال أحد المطّلعين على الكواليس وما يدور فيها، يجيب: "اسألوا جبران، هو الذي يعلم، وهو الذي يقرّر، وفي النهاية لن يصير إلا ما يريده".