إذا ما كانت المعركة في السياسة وحول تشكيل الحكومة، معركة على اتفاق الطائف ومندرجاته وما يرى البعض الواجب في تغييره من جهة والالتفاف عليه من جهة أخرى، فإن المعركة في الإدارة والاقتصاد تتركز على ما أسسه الطائف منذ التسعينيات إلى اليوم.

لما يجري من معارك نماذج عديدة. من أزمة الموظفين بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، إلى صراع الاجحاف الوظيفي الطائفي والمذهبي. ومن أزمة الكهرباء التي أثيرت مجدداً أزمة بين التيار وحركة أمل على خلفية كلام النائب ياسين جابر، إلى الهجوم الذي يتعرض له حاكم مصرف لبنان وإدارة المطار.

لا شيء بالصدفة في لبنان، وليس هناك من خطوة غير مدروسة، أي بدون أهداف. منذ بداية الموسم السياحي، تركزت هجمات متعددة على المطار وتراجع الخدمات فيه، أو حالات الاحتكار التي تعتريه. مع الاشارة إلى وجود تجاوزات عديدة في المطار، وتردّ هائل في خدمة المسافرين. وهذا نقاش آخر. لكن، لا شك أن وراء هذه الهجمات أسباباً أخرى غير ما يتعلق بطروحات الإصلاح. للهجمة هدفان: تطويع شركة طيران الشرق الأوسط، او إظهار إدارتها فاشلة، ما يستوجب تعيين إدارة بديلة، او الذهاب إلى فتح المجال أمام شركات طيران جديدة، تحظى من الدولة بما تحظى به الميدل إيست.

الحرب الحالية تدور على مواقع القوة في الاقتصاد اللبناني، أو حول مركزيات تبادل المصالح والخدمات الهائلة. اختتمت الحملة ببيان رئاسي بشأن مشكلة الطائرة التي أنزل ركّابها وأجل سفرهم ثماني ساعات، لأن طائرتهم حجزت بأوامر عليا لمصلحة الوفد الرئاسي المتجه إلى نيويورك. حمّل البيان المسؤولية للشركة وسوء إدارتها. وهذا ما تعتبر مصادر متابعة أنه يتعلّق بأمور أبعد من هذه الإجرائيات أو سوء التدبير.

المشكلة ذاتها تنطبق على قطاع الكهرباء والتمسك بوزارة الطاقة، وشنّ هجمات شرسة وحملات واسعة على كل من ينتقد القطاع او الخطط الكهربائية القائمة على البواخر، وآخرها الأسئلة والانتقادات لباخرة كسروان التي وعد أهل المنطقة بالنعيم الكهربائي 24/24. في غمرة هذه الأسئلة، جاء تسجيل النائب جابر عن العهد الحالي الذي سيدمر لبنان ويقوده إلى الهاوية، ناقلاً ما ذكره أحد التقارير الصحافية عن رفض لبناني لعرض من شركة سيمنز الألمانية إنشاء معامل للكهرباء قادرة على توفير الطاقة 24/24 مع تسهيلات بالدفع. انتقاد جابر كما انتقاد غيره من قبل، أدى إلى تعرّضه لهجوم شرس ليس بناء على نقاش علمي، بل هجوم شخصي وفي السياسة.

ليس صدفة أن تتزامن هذه الاشكالات أو الهجمات، مع هجوم مماثل يتعرّض له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بمعزل عن الاعتراض على سياسته وهندساته المالية، لكن للهجوم على الرجل أهدافاً وأسباباً اخرى. ووفق مصادر متابعة فإن حملة ممنهجة ومبرمجة على كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، لما تمثله المؤسستان من ثقل اقتصادي، ومن يضع يده على الموقعين يضع يده على جزء واسع من اقتصاد البلد، وما يمثلانه من مجال واسع للتوظيف والخدمات والنفوذ والمصالح. وهناك من يشير إلى أن لدى الوزير جبران باسيل اسماء بديلة لكل من الرجلين.

وهناك من يريد تطويع مصرف لبنان سياسياً، في محاولة للالتفاف على تطبيق العقوبات على حزب الله وإيران. والهجوم على إدارة المطار لا ينفصل عن تقارير دولية ودبلوماسية عديدة، تلقاها لبنان بشأن ضرورة إصلاح الوضع فيه، لما يمثّله من نافذة إيرانية على الداخل اللبنانية، حتى وصل الأمر إلى حدّ وصفه بالقاعدة الإيرانية، فيأتي الردّ على هذا الكلام، بهجوم على إدارة المطار، من بوابة سياسية، ولكن بخلفيات إدارية ومصلحية. بينما هناك من يعتبر أن الهجوم سيستمر ويتعاظم على الطرفين، لإبقاء المؤسستين عرضة للضغط والابتزاز، وعدم الإلتزام بكل الإجراءات الدولية.

تضمّنت التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، جوانب عديدة من التوافقات المصلحية والتحاصصية. كان بينها اتفاق على التمديد لحاكم مصرف لبنان، مقابل هندسات مالية تستفيد منها كل القوى الفاعلة والوازنة في البلد. اليوم، يبدو أن مندرجات هذه التسوية أصبحت قابلة للفناء. وهناك من يطرح تغييرها وتغيير كل ما تضمّنته. وفي هذه الخانة تدرج بعض المصادر الهجوم على حاكم مصرف لبنان وإطلاق الشائعات بشأن وضعه الصحي. هذا الهجوم بالنسبة إلى المصادر لا ينفصل عن حسابات رئاسية باعتبار سلامة مطروحاً ثابتاً للرئاسة.