عملية الأحواز (الأهواز) مفاجئة في مكانها وتوقيتها، ومؤلمة جداً في خسائرها، ولا شك أنها ضخمة حاضراً ومستقبلاً في تردّداتها الإيرانية والإقليمية. أصابت العملية أهدافاً عدّة في وقت واحد، وإصاباتها جاءت مباشرة وعميقة جداً.

جغرافياً، الأحواز (أي الأهواز) ذكّرت الإيرانيين قبل غيرهم أن هذا الإقليم ما زال مشكلة عالقة لم تُحل رغم مرور عقود. خوزستان (عربستان) حيث في العام 1925 ضمت إلى إيران، رغم موجات من الإعدامات سواء في عهد الشاه أو الثورة. في مطلع الثورة، كان الخطاب الرسمي أن الإسلام يستوعب كل التوجهات، فلا قوميات ولا مطالب قومية. لكن ما حصل لم يؤكد هذا التوجّه ليس فقط في خوزستان فقط وإنما في كردستان وبلوشستان. في هذه الأقاليم الثلاثة، اختلطت المواقف المُلتزمة مع الانتماء المذهبي. ذلك أن الجمهورية الإسلامية في إيران، التي ينص دستورها على أن مذهبها هو الإثنا عشري الجعفري، أهمل السُّنة مع أنه تعامل بليونة شديدة ومنتجة مع الأرمن واليهود. وقد أثير هذا التوجه مرات عديدة وأحياناً بغضب شديد ولم ينفع ذلك. حتى أنه لا يوجد في طهران مسجد للسُّنة ولم تتم تسمية وزير أو جنرال سنّي كما أكدت فائزة رفسنجاني مؤخراً، مما عمّق الشرخ الذي أصبح ظاهراً.

أما التوقيت، فربما الأسوأ، إذ إن العملية جرت أثناء العرض العسكري بمناسبة ذكرى الحرب العراقية – الإيرانية، التي عانت منها الكثير خصوصاً بعد احتلال الجيش العراقي لخورمشهر (المحمرة). ولا تقف أهمية التوقيت في ذكرى الحرب، وإنما أيضاً في وقت «يقف» فيه النظام كله على أعصابه نتيجة للتهديدات الأميركية بعد إلغاء الاتفاق النووي، وتحديد مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر لتطبيق كامل العقوبات الخطيرة.

من الواضح أنه في قلب المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية يوجد «الحرس الثوري» الذي كان الهدف العسكري في العملية. المثير في هذه المسألة، أن قائد الحرس في خوزستان العميد حسن ساهواريور كان قد أعلن في بداية الاحتفالات أنه «لم يعد لأميركا مكان في المعادلات الإقليمية». في حين كان قائد القوات البرية قد قال: «إنني أطمئن الشعب الإيراني بأن لا خطر يُهدّد البلاد». ففي احتمال عدم وجود الخطر لم يحُل حصوله، لذلك كان صدى العملية كبيراً واستثنائياً. ولا شك أن ضخامة الخسائر دفعت أكثر فأكثر نحو تضخم ردود الفعل الثورية.

بيان «الحرس الثوري» حول العملية، حمل الوعيد إذ شدّد على «ردّ مدمّر في القريب العاجل ضدّ عملاء الاستكبار العالمي والرجعية، قساة القلوب».

بدوره فإنّ المرشد آية الله علي خامنئي ذهب بعيداً في وعوده ومنها «سنلقّن الضالعين في حادثة الأهواز الإرهابية درساً عصيباً». ثمّ أردف تهديداته باتهام أميركا والسعودية والإمارات..

بعد موجة التهديدات التي توالت مثل «تسونامي» من الكلمات الهادرة، أصبح السؤال الكبير: كيف ستردّ إيران وأين؟

* الحرب الشاملة مستحيلة سواء ضد الولايات المتحدة الأميركية أو السعودية والإمارات. يعرف النظام في إيران بكل مؤسساته أنه لا يملك القدرة على شنّ مثل هذه الحرب، وأنه إذا قام بها فإن المرشد ومعه قادة آخرون سيضطرون «لتجرع كأس السم» مرات عدة لإيقاف الحرب، لأنها قاسية ومدمّرة، ولأنها ستستنزف كل ما تملك من مقدّرات وثروات، لأن لا شيء يضمن متى تتوقف ولا كيف. وإذا كانت في الحرب ضد العراق قد اضطرت لعقد صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية (مهمة روبرت مكفرلين) فإنها هذه المرة ستجد نفسها وحيدة، أو مضطرة للدخول تحت «الخيمة البوتينية» بلا قيد ولا شرط.

* إن الحرب ضد الإمارات والسعودية معقّدة جداً. أولاً لأن الإمارات تُشكّل عمقاً اقتصادياً ومالياً كبيراً لإيران. إذ تُقدّر الاستثمارات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة بما يزيد على خمسين مليار دولار. أما بالنسبة إلى السعودية فإن في قلب ذلك النفط، وليس أسوأ ولا أخطر من تعريض النفط للنار، لأن لا أحد بمقدوره ضبط امتداداتها.

* الدفع نحو عمليات تقوم بها مجموعات في المنطقة، علماً أنه لم تعد توجد أسرار، لذلك فإن أي عملية ستفتح على إيران المزيد من التشدّد الدولي لأنه لم يعد من المقبول شن هجمات بالوكالة.

* نحو مزيد من التشدد في العراق أولاً وفي سوريا ولبنان ثانياً. من الصعب جداً أن تذهب إيران بعيداً في تشدّدها. في العراق، أميركا موجودة ولا يمكن تجاوزها، فكيف بإلغاء حضورها في أي تركيبة بما فيها رئاسة الحكومة؟

أما بالنسبة لسوريا ولبنان. فإن «حزب الله»، الذي وإن بقيت له قوات في سوريا فإنها قوات محدودة، وهو يعلم لأنه موجود على الأرض، أن روسيا هي التي تخطط وتنفّذ، وأن الاتفاق الروسي – الإسرائيلي قد فرض انسحاب إيران والحزب وكامل الميليشيات الشيعية حوالى المئة كلم في الجبهة الجنوبية باتجاه ما بعد دمشق، وإن بقي وجود لها في العاصمة السورية فإنه ضمن ترتيب مع موسكو.

يبقى لبنان، من الواضح أن الحزب لا يريد إشعال حرب ضد إسرائيل، لأن أي حرب هذه المرّة لن تكون كما سبقتها، إضافة إلى أن السؤال: ماذا سيكون هدف الحرب، وإلى أين يمكن أن تصل ارتداداتها؟ أقصى ما يمكن حدوثه الاستمرار في تجميد الوضع السياسي والحكومي مع وجود خطر فعلي من حصول انزلاق اقتصادي مؤلم.

يبقى الداخل الإيراني، لا شك أن المتشددين سيجدون الفرصة لضرب المعتدلين قبل الإصلاحيين، وقبل هذا وذاك القيام بحملات أمنية واسعة في خوزستان أولاً، ومن ثمّ في كردستان وبلوشستان. ومن الممكن أن يهدئ القمع الواسع الوضع موقتاً لكنه لن يحل شيئاً.

يوجد عقلاء في إيران رغم انخراط الرئيس حسن روحاني في حملة التهديد والتشدد. الأميرال علي شمخاني (وهو من القبائل العربية في خوزستان أي أنه على علم ومعرفة بحقيقة الوضع) قال: «إن إيران بحاجة للتحدث إلى جيرانها لتجنب المزيد من التوتر».

إيران تسير الآن على «حافة السكّين»، إما أن تنزلق مع جنرالات استثمروا التصعيد منذ سنوات في بناء مراكز وثروات لهم، نحو الخراب، وإما أن تنجح في تجاوز الأزمة بعدما تبيّن أن «منزلها من زجاج» وحان الوقت لتتوقف عن ضرب «منازل الآخرين التي من زجاج».