لقد انتهت الثورة السورية يوم صارت خيارا عقائديا، يحق لكل مَن هب ودب، بغض النظر عن جنسيته، أن يدلي بدلوه فيها وأن يقول كلمته في شأن مسارها وأن يفرض شريعته من خلالها وأن يرسم للسوريين خططا لتصريف شؤونهم وابتكار سبل عيشهم.
 

تعددت وجوه المأساة السورية. المقاتلون الأجانب واحد من تلك الوجوه. دولهم ترفض استعادتهم، فيما تفكر دول أخرى في أن قتلهم هو أسوأ الحلول. لم يبق أمام الحكومة السورية سوى أن تستضيفهم لاجئين.

فكاهة تطلُّ من بين الدموع التي ستظل تنهمر بسبب ذكرى مرور تلك الوحوش الكاسرة التي صارت اليوم محل شفقة العالم الذي لا يرغب في أن تضع تلك الحرب أوزارها مستظلا بحيرته المنافقة التي تتعلق بمصير أولئك الإرهابيين الذين اختطفوا الثورة السورية، ومن بعدها الشعب السوري.

إنهم كائنات فائضة. حين قدموا إلى سوريا لم يكونوا أصحاب قضية، غير أنهم اعتلوا الصرح فكانت لهم جولاتهم التي قادت انتصاراتهم فيها إلى تعقيد المسألة السورية، وفتح أبوابها على خيارات ليست منها.

الأطراف الدولية التي موّلتهم تعرف أنهم ليسوا جزءا من الثورة السورية، ولولا تمويلها ما كان في إمكانهم أن يكونوا طرفا في الحرب، لأن ذلك التمويل هو الذي جذبهم إلى سوريا باعتبارها منطقة استثمار رابحة.

كل ما قيل وما يُمكن أن يُقال عن المبادئ التي حارب من أجلها أولئك المقاتلون الأجانب هو محض افتراء وتزييف لحقيقة مهمتهم والدوافع التي قادتهم إلى تجنيد أنفسهم من أجل تنفيذ تلك المهمة.

إنهم مجرد مرتزقة، وظفتهم شركات أمنية، كانت قد عقدت صفقات كبيرة من قوى إقليمية ودولية من أجل توسيع دائرة الحرب السورية وإضفاء الطابع العقائدي عليها ومنع السوريين من البحث عن حلول، تكون كفيلة بتوطين الثورة وحمايتها والتنويع عليها من خلال خيارات وطنية.

لقد انتهت الثورة السورية يوم صارت خيارا عقائديا، يحق لكل مَن هب ودب، بغض النظر عن جنسيته، أن يدلي بدلوه فيها وأن يقول كلمته في شأن مسارها وأن يفرض شريعته من خلالها وأن يرسم للسوريين خططا لتصريف شؤونهم وابتكار سبل عيشهم.

وهو ما وهب الحكومة السورية مشروعية في نظرها إلى الثورة باعتبارها مؤامرة قامت قوى خارجية بالتخطيط لها ونفذها مندسون لا علاقة لهم بالحراك السلمي الذي قام به الشعب.

كانت تلك وجهة نظر حكومية تحتمل الخطأ والصواب، غير أن ظهور المقاتلين الأجانب الذين تم جلبهم من أنحاء مختلفة من العالم منح وجهة النظر تلك مصداقية مطلقة.

اليوم يتكدّس أولئك المجرمون الدوليون في إدلب. المدينة السورية التي تعددت صفاتها بحكم ما استقبلته من شذاذ آفاق ولصوص وقتلة وقطاع طرق وأفاقين ومحترفي حروب ومرتزقة ومهووسين. فهي الحاضنة التي تجمعت فيها كل مكائد الفساد من جهة، وهي من جهة أخرى المحرقة البشرية التي يمكن أن تغلق الباب أمام التسويات التي فرضها الروس على أعداء الحكومة السورية.

المشكلة أن الحكومة السورية باتت أضعف من أن تفرض على الدول استرجاع مواطنيها الذين صاروا عائقا دون أن تستعيد قدرتها على بسط نفوذها على كامل التراب السوري.

روسيا هي التي تتفاوض لا نيابة عن الحكومة السورية، بل باعتبارها صاحبة الشأن التي تسعى إلى أن تصل إلى تهدئة تمكنها من بسط سيادتها على كامل التراب السوري.

وإذا ما كانت روسيا قد وضعت العالم أمام خيار إبادة الإرهابيين في إدلب، فإنها فشلت في إقناع الدول التي يحمل أولئك الإرهابيون جنسياتها في استعادتهم أحياء وليس جثثا. وكما يبدو فإن تلك الدول وقد تحججت بالحفاظ على أمنها باتت راغبة في أن يكون مصير أولئك الإرهابيين معلّقا برقبة روسيا وحدها، وهو ما يخلصها من مشكلتهم وفي الوقت نفسه فإنه يشكل عنصر إدانة لها (أي روسيا). وكما أرى فإن روسيا فهمت اللعبة فصارت تتعامل بحذر مع المسألة.

ستكون هناك صفقات سرية تخرج الإرهابيون الطيبون من قفص إدلب سالمين، لتحقق روسيا هدفها في الاستيلاء على سوريا ثمنا للحفاظ على حياة المرتزقة الدوليين.