ينكشف للبنانيين يوماً بعد يوم، وموقفاً بعد موقف، انّ حكومتهم العتيدة لن تولد قريباً، وأنّ المعطيات الماثلة في ضوء مواقف الأفرقاء السياسيين وحلفائهم الاقليميين والدوليين، تؤكد أنّ الاستحقاق الحكومي ربما ينتظر سنة، أو أقله الى بحر السنة المقبلة حتى يتماثل الى الإنجاز، على رغم من وجود أمل، ولو ضئيل، في أن تولد الحكومة قبل نهاية السنة الجارية.
 

يلوح في الأفق الاقليمي والدولي راهناً انّ سوريا مقبلة على احد احتمالين في خلال الاسابيع والاشهر المقبلة: الأول، إيجاد حلول سلمية لوضع المجموعات المسلحة المتطرفة وغير المتطرفة المنتشرة في محافظة ادلب وفي ما تبقى من بؤر لهذه المجموعات في شرق سوريا وجنوبها، بحيث تمهّد هذه الحلول للدخول في الحلول السياسية الفعلية الشاملة للأزمة السورية. 

أما الاحتمال الثاني، فهو أن تندلع جولة حربية جديدة تنتهي بهزيمة هذه المجموعات أو استسلامها للنظام، او الدخول في المصالحات التي يديرها الروس من قاعدة حميميم، ومن ثم الشروع في وضع الحلول السياسية العملية للأزمة، والتي يُعمل على إنتاجها منذ سنوات بلا جدوى، أو تؤدي هذه الجولة الى إطالة أمد الحرب أكثر، وبالتالي أمد الازمة لسنوات اضافية.

وبين الاحتمالين يبدو انّ هناك مواظبة اسرائيلية على قصف جوي وصاروخي موضعي على الاراضي السورية، وتُعلن إسرائيل أنه يستهدف مواقع لـ»الحرس الثوري» الايراني ولـ»حزب الله» اللبناني، وأنّ الغاية منه هي «منع وصول اسلحة متطورة» للحزب في لبنان، ومنع تمدده والإيرانيين جنوب سوريا الى حدود الجولان المحتل «بما يهدد أمن اسرائيل».

وقد بدأ استمرار هذا القصف الاسرائيلي يثير توقعات ومخاوف جدية من أن يتسبّب شيئاً فشيئاً في تدهور الاوضاع في المنطقة، بما يؤدي الى نشوب حرب جديدة على الجبهتين اللبنانية والسورية. علماً انّ بعض الغارات الاسرائيلية تستهدف احياناً مواقع عسكرية حساسة واستراتيجية تابعة للنظام السوري أيضاً، وذلك بغية منعه من امتلاك اسلحة استراتيجية كاسرة للتوازن.

وفي ظل تعثّر تأليف الحكومة وتأخره حتى الآن الى ما يربو على ثلاثة اشهر، مع انه لم يبلغ بعد المدة التي استغرقها تأليف حكومات سابقة وراوحَت بين سنة تقريباً (حكومة الرئيس تمام سلام) وثمانية اشهر او اكثر (حكومة الرئيس نجيب ميقاتي)، يسود الاوساط السياسية حديث عن ثلاثة سيناريوهات حول الاستحقاق الحكومي والخلفيات الكامنة وراء تأخر إنجازه والأبعاد:

• السيناريو الاول: يقول انّ الحكومة لن تؤلف الّا بعد إنهاء الوضع في محافظة ادلب سلماً أو حرباً، وصيرورة الأزمة السورية الى حل سياسي برعاية دولية، وفي هذه الحال يجد الافرقاء السياسيون اللبنانيون، أو غالبيتهم على الاقل، أن ليس من مصلحتهم أن تؤلّف الحكومة حالياً بشروط قد تكون غير مرضية لهم، ويرون انّ من الافضل الاستئخار في تأليفها الى ما بعد استحقاق ادلب، اذا جاز التعبير، إذ لعلّ ذلك يمكنهم من تحسين شروطهم وحصصهم فيها.

• السيناريو الثاني: هو انّ الحكومة لن تؤلف في المطلق، وانّ العقبات في طريق ولادتها ستتكاثر وتتعاظم بحيث سيكون مستحيلاً توَصّل الافرقاء السياسيين الى اتفاق على تقاسم الحصص من المقاعد والحقائب الوزارية، وسيكون من الصعب في هذه الحال ولادة هذه الحكومة حتى ولو توافر حل للأزمة السورية عاجلاً ام آجلاً، بحيث قد يفرض تعاظم الازمة وتعقيداتها الدخول في تغيير النظام المنبثق من «اتفاق الطائف»، خصوصاً انّ بعض القوى لديه مثل هذه الرغبة، وذلك عبر مؤتمر تأسيسي او غيره من المسمّيات، بغية إقامة نظام سياسي جديد بتوازنات جديدة.

• السيناريو الثالث: وهو انّ تأليف الحكومة مهما تأخّر سيحصل في النهاية وفق المعايير والتوازنات التي سيتمكن الرئيس المكلف سعد الحريري من التوصّل إليها في مشاوراته مع مختلف الافرقاء، وذلك التزاماً واستمراراً في ما سمّي «التسوية الرئاسية» التي جاءت بالرئيس ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وبه الى رئاسة الحكومة، على ان يحصل اتفاق على الحصص من المقاعد والحقائب الوزارية قياساً على نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت وفق النظام الانتخابي النسبي والذي اعتَرت تطبيقه شوائب كثيرة يمكن تلافيها لاحقاً، فلا يكون في الحكومة «ثلث وزاري معطّل» لفريق سياسي بعينه وإنما يكون له ولحلفائه، وذلك حفاظاً على التوازن ومنعاً لتفرّد فريق واحد بمصير الحكومة، وبالقرار على مستوى السلطة التنفيذية.

وبعيداً من هذه السيناريوهات الثلاثة، يتوقف بعض السياسيين عند الوضع الاقتصادي والمالي الذي يحذّر كثيرون من أهل الاختصاص ومؤسسات دولية من أنه مهدّد بالتعرض لاهتزارات او انهيارات نتيجة الاستحقاقات المالية التي تنتظر الدولة بين نهاية السنة الجارية ومطلع السنة الجديدة، ويقول هؤلاء انّ هناك احتمالا كبيرا لأن يتفوّق هذا الوضع على العامل السياسي، ويضغط على السلطة وعلى الافرقاء السياسيين المختلفين على التشكيلة الوزارية ليسارعوا الى الاتفاق لكي تولد الحكومة وتنطلق سريعاً الى معالجة الاستحقاقات المقبلة ووقف التدهور الاقتصادي والمعيشي، لكنّ حصول هذا الضغط من عدمه سيظهر في خلال ما تبقّى من السنة الجارية ومع اقتراب مواعيد الاستحقاقات المالية.