يا أنيس المجلس، قرأتُ أحوال المفتين والقضاة في الزمن الذهبي للأمة، فوجدتهم أهل ربابة وصبابة
 
قصدته في قصره، بعد أن سمعته على إحدى قنوات التلفزة في حديثٍ عن مكارم الأخلاق والصدقات التي تجلب الحسنات وتذهب السيئات، وعن عفَّةٍ البدن وطهارة الجسد وسمو النفس والروح، فراعني منه ما راع، وحسبته من نسل الصالحين ممن يبيتون على كسرة خبزٍ وكوب وضوء، لشدة ما تحدَّث عن الفقر والفقراء والجوع الأسوأ من الكفر.. حسبته أحد الأئمة الجدد رغم معرفتي به كشيخٍ من شيوخ البطانة، يلحقُ صلاته بآخر النهار، وتدركه هي ولا يدركها هو..                                                                                                 
 
همتُ إليه من شدَّة ما سمعتُ منه من نقاءٍ  ومن صفاءٍ، فوجدته في خيمته كعادته غارقاً فيما لذَّ وطاب من فاكهة المواسم وصنوفٍ متعددة من الأطعمة، وتطعمه إمرأتان نصف عاريتان كأنه طفلهنَّ لا إحداهنَّ، رغم أنه بلغ عتبة الخمسين وعلاه الشيب وغزاه.. دنوتُ منه إلى حيث استقرَّ بي المجلس، وقد رحَّب بي ودعاني إلى مجالسته لأتمَّ معه ما بدأه من حلالٍ في اللمس والهمس، ضحكتُ واستمريتُ في الضحك وقال: عرفت أنك جئتَ على عجلٍ لترى حالاً غير حالي، ظناً منك بأن ما سمعت مني في موعظة اليوم أن المفتي قد ترك عشق النساء، وتلهَّى بعشق الله، فهمت ذلك عندما هاتفني طالباً مني الحضور إلى خيمتي للإطمئنان عن صحتي وأحوالي، وعندما ذكرت الخيمة عرفت ما يجري وما يهبُّ من خيمتي من رياحٍ عاتيات...    
 
 
يا أنيس المجلس، قرأتُ أحوال المفتين والقضاة في الزمن الذهبي للأمة، فوجدتهم أهل ربابة وصبابة، وأنا مفتٍ صغيرٍ أقرب من الفتنة إلى الفتية، بعد أن رأيت ما رأيت من كفرٍ وفجورٍ يعشعش في بيوتٍ أذِنَ الله أن يُذكرَ ويُسمع فيه بحسب قولهم وادعائهم، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات عليَّ إن رأيتني أتسكَّع على صدور النساء.. أحاول أن أحصِّل في دنياي بعض ما وعدني الله في آخرته، وهذا التين وهذا الرمان وهذا الخمر وهذا النهر وهذه عينة جيدة من الحور فتقول عني بأنني فاسقٌ كاذبٌ، وعندي أعمال كثيرة هي من رجس الشيطان.. 
 
قل ما شئت، فكلامك لا يصل إلى من يسمع ولا يحرِّك ساكن أحدٍ من هؤلاء الموتى، إن أردت أكمل معي الليلة إلى خيوط الضوء صبَّاً وصبابةً حتى تسعفنا صلاة الفجر، فتنهض من خمارهن أكثر تهيُّاً وأدنى إيماناً، أو عد من حيث أتيت إلى بيتك الريفي وإلى زراعتك الضئلة، واقرأ ما تيسَّر على نفسك حزباً كاملاً من سورة النساء، عسى أن تلقاك إحداهن من مساء لحدٍ أو قبرٍ، ودع فقرك يُسلِّي كفنك، ويفتح لك ألف بابٍ من برزخٍ قديم..       
 
عدتُ مسرعاً من خيمة إمارته وقصره المشيدة ومسبحه النسائي وحديقته الباهرة وبساتينه الفاخرة بجنٍّ هم من إخوة جِنَّةِ سليمان، وصرتُ أستعذ بالله من الشياطين المفتين من أبالسة الإنس أساتذة أبالسة الجن... 
 
أذكر أن صديقاً للمفتي أخبرني أن الشيخ في الحوزة العلمية كان طالباً يعلِّم الطلبة فنون السحر والشعوذة والجن والشيطان، واشتهر آنذاك بأبي الجن.. ويذكر صديقاً آخر للمفتي عرفه يافعاً وأكمل معه سنين شبابه بأنه كان متلذلذاً عابثاً، فسمي بزير الحي... إنه شيخ ومفتي النساء....