كل محاولات الدول العربية لتهدئة الوحش الإيراني باءت بالفشل. لم يفهم الإيرانيون مغزى صبر الآخرين الذي اعتبروه دلالة على الضعف، وهو ما قادهم إلى مزيد من المغالاة التي هي من طبعهم التاريخي.
 

من حيث المبدأ فإنه لا أحد في المنطقة يرغب في إلحاق الأذى بإيران. حتى الدول المتضررة من السياسات العدائية الإيرانية تمنت في أوقات سابقة على حكام طهران لو أنهم راجعوا تلك السياسات وتراجعوا عنها، من منطلق الحرص على مبادئ حسن الجوار والسلام في المنطقة والعالم.

إلى وقت قريب كانت الرغبة في الحوار قائمة لدى أطراف عربية، كانت تدرك أن النظام الإيراني لا يجد ضرورة لذلك الحوار، بعد أن قاده عماه العقائدي إلى مناطق، كان من الصعب أن يصل إليها أحد، من غير أن يصاب بلوثة الطائفية والتعصب والاستعلاء وعقدة التفوق والنزعة العدوانية التي لا تفرق بين الصديق الناصح والعدو المتربص.

لم تُظهر إيران يوما رغبتها في أن تكون جزءا من المنطقة.

فهي لا ترى في الآخرين أندادا لها، يمكن أن تصل معهم إلى لغة حوار مشتركة. لغة تقوم على تبادل المصالح والخبرات.

النظام الإيراني وبسبب أوهامه العقائدية يرى أن عليه أن يكون وصيّا على المنطقة. ليس أقل من ذلك. وهي رؤية قاصرة لا يقرها المنطق الواقعي وترفضها مسلمات التاريخ والجغرافيا معا. غير أن ذلك النظام الذي يقوم على أساس خرافة الولي الفقيه لا يعترف بشيء، إلا إذا كان ذلك الشيء مستندا إلى قوة، يكون في إمكانها أن تهدد وجوده.

كل دول المنطقة، صغيرها وكبيرها، تعرف تلك الحقيقة. تعرف أن إيران لن تكف عن التدخل في شؤونها الداخلية.

تعرف أن النظام الإيراني، بغض النظر عمن يقوده صوريا، متطرفا كان أم معتدلا، لن يتخلى عن مبدأ تصدير الثورة وهو تعبير ملفق يعني تصدير الفوضى. وهي تعرف أن إيران مصممة على اختراق المجتمعات العربية وزرع ألغام الفتنة فيها من أجل تدمير وحدة تلك المجتمعات.

غير أن تلك الدول عملت على تأجيل الأخذ بخلاصات تجربتها المؤلمة في التعامل مع نظام الملالي على أمل أن ينتبه ذلك النظام إلى خطورة النتائج التي يمكن أن يدفع ثمنها الشعب الإيراني من جراء الاستمرار في ذلك النهج العدواني الذي سبق له وأن انزلق بإيران إلى هاوية حرب ضروس استمرت ثماني سنوات، صمد العراق في الطرف المقابل منها ليجبر الخميني على تجرع السم وهو يوافق على إنهائها.

كل محاولات الدول العربية لتهدئة الوحش الإيراني باءت بالفشل. لم يفهم الإيرانيون مغزى صبر الآخرين الذي اعتبروه دلالة على الضعف، وهو ما قادهم إلى مزيد من المغالاة التي هي من طبعهم التاريخي، فصاروا يتغنون بقرب ولادة امبراطوريتهم التي ستكون بغداد عاصمتها.

أما لماذا بغداد وليست طهران، فذلك ما يكشف عن عقدة نقص سعى الفرس عبر تاريخهم إلى التستر عليها من خلال عقدة تفوق قائمة على الأوهام. وهي أوهام قادتهم إلى التورط في حروب، استنزفت الاقتصاد الإيراني بالرغم من أنها لن تعود على إيران إلا بمزيد من العزلة الدولية.

لم تكن دول المنطقة راغبة في عزل إيران، بقدر ما كانت إيران قد عملت على صناعة عزلتها بمختلف السبل والأساليب.

لذلك فإن من يدعو إلى استعادة الحوار مع إيران يمكن اعتباره واحدا من أثنين. أحمق ومتطفل وجاهل لا يفهم شيئا في السياسة، أو شخص مخادع ومحتال يسعى إلى توريط العرب في حوار من طرف واحد لن يجر عليهم إلا الإحباط في وقت يشتد الخناق على إيران.

هل يعتقد الساذجون الذين يدعون إلى محاورة إيران بأن العرب يملكون طوق النجاة الذي سيكون في إمكانه أن ينقذ إيران من الغرق؟

المضحك في المسألة أن إيران نفسها لن ترضى بحل من ذلك النوع.

أعتقد أن من واجب دعاة الحوار مع إيران أن يلتفتوا إلى بلدانهم في مسعى لفك عزلتها، بدلا من إطلاق الفقاعات التي يتبخر أثرها قبل أن تختفي.