هناك العديد من العبارات باللغة الانكليزية والتي هي من أصل يوناني مثل كلمات أزمة «Crisis» وأصل الكلمة هو «Krisis» وتعني اللحظة الحاسمة. ومن سخرية القدر، أنه خلال العقد الماضي أصبحت هذه الكلمة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بأصلها اليوناني.
 

قد يكون من الصعب فصل كلمة أزمة عن اليونان، رغم ثلاثة برامج إنقاذ للاقتصاد اليوناني، سيما وأن المشاكل الهيكلية ما زالت عالقة وتتراوح بين بيروقراطية الدولة إلى التهرّب الضريبي إلى الديون الضخمة والتي تعدّت ١٨٠ في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وسيكون هذا العبء مستمرا على مدى عقود من الزمن. أضف إلى ذلك عواقب طويلة الأمد قد يكون أهمها هجرة الأدمغة بما يجعل من الصعب على اقتصاد البلاد الانتعاش بمستويات مريحة.
رغم أن الاصلاحات التي أدخلتها الحكومات اليونانية المتعاقبة كانت مؤلمة بالنسبة لقطاعات واسعة وشرائح متفاوتة بين السكان.

تستهدف الاصلاحات التي تعهدت أثينا القيام بها مقابل تقديم القروض معالجة العيوب الصارخة كنظام المعاشات التقاعدية والبيروقراطية والتهرّب الضريبي. وثمة تدابير أخرى مثل تحرير قانون العمل وتراخيص جديدة للأعمال التجارية بهدف تعزيز النمو والإستثمار. وأزمة الديون اليونانية عبارة عن ديون سيادية مستحقة للإتحاد الأوروبي ما بين العامين ٢٠٠٨ و ٢٠١٨. وكادت اليونان في العام ٢٠١٠ أن تتخلّف عن سداد ديونها وهدّدت سلامة منطقة اليورو بأكملها، وأقرضها الإتحاد الأوروبي منذ شباط ٢٠١٥ ما يساوي ٢٩٤٫٧ مليار يورو وهي أكبر عملية تعويم في التاريخ المعاصر لم تدفع اليونان منها سوى ٤١٫٦ مليارا. ومن المقرر سداد هذه الديون في العام ٢٠٥٩، وأكبر المقرضين كانت ألمانيا والتي فرضت تدابير تقشفية على اعتبار أن ذلك سوف يحسّن الميزة التفاضلية لليونان في الأسواق العالمية. وللعلم، هذه التدابير جاءت بنتائج عكس المرجو منها سيما من ناحية زيادة البطالة ونسبة الدين إلى الناتج المحلي والذي بلغ في العام ٢٠١٧ معدل ١٨٢ بالمائة علماً أنه وحتى تسديدها الديون لدائنيها عليها الإلتزام بتدابير التقشف هذه.

مشكلة لبنان، وهو أكبر ثالث بلد مديون في العالم تشبه إلى حد بعيد الأزمة اليونانية سيما من ناحية العجز والوضع المالي الهش والتراجع المثير للناتج المحلي في السنوات الأخيرة ونسبة الديون المرتفعة مقارنةً بالناتج المحلي والعجز الكبير الحاصل في الحساب الجاري. كلها أمور تستدعي التوقف عندها في ظل غياب خطط واضحة لمعالجة الوضع الاقتصادي وفي ظل تداعي أزمة النزوح السوري على لبنان والذي أنهك كيانه وقضى على ما تبقى من مقوماته.

وإذا كانت خطة ماكينزي هي العلاج انما تفتقد لغاية الان إلى آلية للتطبيق مما يعني أن الأمور قد تبقى على هذا الوضع وربما تتراجع إذا لم تحدث صدمة إيجابية تتشكل معها حكومة تترجم إدراك المسؤولين لخطورة الوضع وكون لبنان لا يستطيع التحمل أكثر، وفي ظل محاولات للجم الفساد لا تزال ضعيفة وغير جدية.

السيناريو الذي واجهته اليونان منذ العام ٢٠٠٩ لغاية الآن قد لا يتوفر للبنان. وإذا كانت اليونان مهمة للمشروع الأوروبي والعملة الواحدة، وإذا كان لبنان هو مفتاح الحفاظ على ما تبقى من عملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن المقارنة تبقى ضعيفة سيما في غياب المقومات التي تدعم اليونان، سيما البنك الأوروبي وألمانيا وصندوق النقد الدولي، بينما لبنان ما زال يراهن على ١١ مليار دولار إستطاع الحصول عليها في مؤتمر سيدر. وصندوق النقد الدولي كان شديد اللهجة في تقريره عن لبنان سيما في سياق إنخفاض معدلات النمو وإرتفاع أسعار الفوائد العالمية. وليس من الغريب أن يدعو صندوق الدولي إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة كذلك إجراء تخفيضات كبيرة في دعم الطاقة وهي أمور أصبحت من الوسائل التي يستعملها صندوق النقد مع العديد من الدول الشبيهة بوضعية لبنان.

يبقى الرهان محصورا بأمور قد تحصل وتساعد إلى حد بعيد في إعادة عجلات النمو إلى ما كانت عليه في العام ٢٠١٠ سيما مشروع إعادة اعمار سوريا والتنقيب على النفط والغاز إلا أن ذلك يبقى رهن إصلاحات إدارية جوهرية من حيث الادارة والفساد.

قد تختلف الاوضاع بين اليونان ولبنان، لكن أوجه الشبه هي سوء الادارة والفساد. أما العوامل التي تساعد اليونان في محنتها فهي غير متوفرة للبنان.

هكذا لم نصل بعد إلى تدابير تقشفية كالتي حصلت في اليونان إلا أن تأخير تشكيل الحكومة بات يزيد العبء على المواطن مع تراجع الإقتصاد والحركة التجارية ومع ميزان تجاري في عجز دائم، علماً أنه إقتصادياً جاءت تدابير التقشف اليونانية بنتائج متناقضة أقل ما يقال فيها غير كافية، الامر الذي ساعد على التهرّب الضريبي وهجرة الأدمغة. وهذا ما سوف نراه في لبنان، والأمر كله يتوقف على النظام برمته وعلى إدارة الحكومة المقبلة تنفيذ الإصلاحات وخطط إقتصادية شاملة.