منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة لم تجمع المراجع المعنية بالملف مرة على القول، كما في الأيام القليلة الماضية، انّ كل الطرق المؤدية الى عملية التأليف مقفلة بكل أشكال العوائق التي تؤجل البحث فيها الى أجل غير محدود. فما الدافع الى هذا الاعتقاد؟ وما هي الأسباب التي تعزّزه؟
 

ليس من الصعب ان يتثبّت زوّار المراجع الرسميّة، إن في قصر بعبدا أو في عين التينة أو في بيت الوسط، من أنّ الحديث عن احتمال الوصول الى تشكيلة حكومية جديدة يكاد يكون معدوماً. ففي ظلّ تعثّر الجهود التي بذلت من أجل الوصول الى الصيغة العتيدة والفشل في تلبية مطالب المشاركين في السباق الى الجنّة الحكومية، يصعب على أي كان أن يضرب أي موعد جديد بعدما استُهلكت كل المهل والمواعيد.

وفي وقت بقيت فيه المواقف الصريحة والمعلنة محصورة بالتمنيات بقرب تشكيل الحكومة الجديدة والتوسّع في شرح الحاجة اليها اليوم قبل الغد، والتحذير من التأخير في تشكيلها وتداعياته الخطيرة، أجمعت الوقائع على ارتفاع نسبة المخاطر المترتبة على إبقاء البلاد تحت رحمة «الشغور الحكومي» لما له من انعكاسات على دورة الحياة الطبيعية وعلى مستوى العلاقات غير الطبيعية بين المؤسسات الدستورية.

وتزامناً مع سَيل التسريبات حول «سيناريوهات وهميّة» للمخارج القابلة للتطبيق التي انهارت واحدة بعد أخرى على وقع التصعيد المتنقّل بين مختلف الأطراف، وفي ما يبدو أنّ رئيس «التيار الوطني الحر»، مُستظلًّا مؤسّسه رئيس الجمهورية، وبالتكافل والتضامن في ما بينهما، يخوضان المواجهة الصعبة مع باقي الفرقاء مداورة، لا يظهر في الأفق ما يوحي بإمكان إحياء أي من التفاهمات السابقة التي انهارت، كما هي حال «تفاهم معراب» و»تفاهم كليمنصو» او تلك التي اهتزّت كـ»تفاهم بيت الوسط»، بل بالعكس، فإنّ كل يوم يحمل مواجهة جديدة. فبعد التفاهم في نهاية آب الماضي على وقف الحملات بين «التيار الوطني» و»القوات اللبنانية»، برزت المواجهة بين هذا التيار ونظيره الأزرق على خلفية الحديث عن صلاحيات الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. وبعد التفاهم على طيّها بين بعبدا وبيت الوسط منتصف ايلول الجاري، إنفجرت العلاقة بين بعبدا وكليمنصو وانتقلت فصولها الى الإدارة العامة والمؤسسات. وتزامناً مع طيّها والمباشرة بالبحث في الشق الإداري منها، تجدّدت المواجهة بين بعبدا ومعراب، فكان السجال على أعلى مستوى بينهما والذي ترجم بين رئيس الجمهورية ورئيس حزب، والذي شهدنا فصولاً منه في اليومين الماضيين على وقع الهجوم الشخصي الذي قاده رئيس «التيار الوطني الحر» من كندا على تيّار «المردة».

وعليه، وبعيداً عن التردّدات المتوقعة لمثل هذا الجدال، والتي ما زالت محصورة بوسائل التواصل ووسائل الإعلام، فإنّ ما برز من مواجهة محتملة بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» على خلفية تسمية احد شوارع الغبيري باسم «الشهيد مصطفى بدر الدين»، تبقى هي الأقسى إن لم يتم تداركها بسرعة. فإطلاق إسم المتهم الرئيس باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أيّاً كانت الظروف القانونية والسياسية التي رافقت صدور هذا القرار وترجمته، يبقى هو الأخطر.

فبإجماع المراقبين، ومن أي موقع كانوا، إنّ ما تحاكيه هذه المواجهة بين الغبيري وبيت الوسط تهدد كل ما أُنجز الى اليوم. وتكمن خطورتها بما تسبّبه من توتر في الشارع الذي سيبقى مضبوطاً على الأرجح الى حين. وما يزيد من خطورتها، صعوبة معالجتها بعدما بلغ الكباش مرحلة متقدمة بحيث أنّ أي حل يمكن التوصّل اليه سيشكل انكساراً لفريق أمام آخر. فالإحتفاظ باللّافتة أو نزعها، وهي على بعد امتار من مستشفى رفيق الحريري الجامعي، سيؤدي الى احتكاك في أي لحظة، لا يمكن التكهّن بنتائجه الخطيرة على جمهورَي الطرفين والبلد.

وبمعزل عن الإهمال الذي عبّرت عنه وزارة الداخلية من خلال عدم النظر بطلب بلدية الغبيري اعتماد هذه التسمية قبل عام تقريباً، فإنّ ملامسة الموضوع اليوم أخطر. لقد كان بإمكان وزير الداخلية معالجة الأمر استباقاً لِما جرى بقرار الرفض في حينه. وعندها لَما برزت المشكلة الحالية التي نَمت على خلفية ما أثاره بلوغ المحكمة الخاصة بلبنان مرحلة المطالعات التي تقدّم بها وكلاء الإدعاء والدفاع في الجريمة، والتي نكأت جراحاً لم تندمل بعد. وكانت العملية محصورة يومها بمضمون كتاب طلب الإذن وآخر برفضه. ولو تمّ ذلك، لبقيت بين جدران الموقعين البلدي والوزاري. فإسم بدر الدين ودوره في الجريمة لم يظهرا أمس، وهما موضع تداول منذ القرار الظني الذي أصدرته المحكمة بتسمية المسؤولين الخمسة من قياديي الحزب.

وما يزيد الطين بلة - كما يجمع المراقبون - انّ المكلفين مهمة تشكيل الحكومة، من كل مواقعهم، مطالبون اليوم بمواجهة الآثار السلبية المترتبة على الفشل في مقاربة الملف وسط تعقيدات تسبّبت بها الأزمات المتتالية التي لا تحصى وهي تقضّ مضاجع اللبنانيين، ومنها ملف الكهرباء الذي يتجه نحو الكارثة، والوضع الإقتصادي الذي تجاوز الخطوط الحمر وبات على قاب قوسين من انفجار لا يقدّر أحد نتائجه.

وختاماً، وإن ننسى لا ننسى، فجميع المسؤولين في حال سفر، كل في اتجاه امّا رسمياً او شخصياً بدل الإجتماع في لقاء مصارحة ومصالحة وطنية جامعة، لا ينتهي إلّا بوقف انزلاق البلاد نحو المخاطر المقدّرة. والتي، وإن تفجّر بعضها، ستتوالد الأزمات الى درجة تهدد ما أنجزه العهد الى اليوم. فقد عجزت الماكينات الحسابية عن إعطاء النسب المئوية للناخبين في ظل مقاطعة نصف اللبنانيين للإنتخابات الأخيرة وكيفية ترجمة الأصوات التفضيلية حكومياً، بعدما تحولت أرقامها ونسبها وجهة نظر كما باقي الأرقام في لبنان.