تعطّل مطار بيروت، لأكثر من خمس ساعات، في سابقة نادراً ما تشهدها مطارات العالم حتى البدائية منها. في مطار «السلامة من الله» تمّ تجاوز الفضيحة بسلاسة، كما يحصل عادة، بانتظار الكشف عن التقريرَين التقني لـ»شعبة المعلومات» والإداري لـ «التفتيش المركزي» لتحديد المسؤوليات.
 

بالتأكيد، قد يكون لبنان من قلّة قليلة من دول العالم التي تضمّ مطاراً مركزياً واحداً. ثغرةٌ تضاف الى «نواقص» وثغراتٌ بالجملة يعاني منها مطار رفيق الحريري الدولي وعنوانها «البهدلة». 

وحتى «يفرّخ» فرعٌ آخر يخفّف من الضغط الكبير على مطار بيروت، وبإنتظار صرف الاعتمادات المالية لسدّ الحاجات الملحّة والطارئة، بما في ذلك مشروع التوسعة، إتّجهت الأنظار صوب التحقيق المفتوح في حادثة «خروج المطار عن الخدمة»!

وفق المعطيات، أنهت «شعبة المعلومات» تقريرها في وقت قياسي لم يتجاوز الـ 48 ساعة، وحدّد المسؤوليات بشكل واضح، وبات في عهدة النيابة العامة التمييزية. 

وفق المتوافر من معطيات، فإنّ التقرير يٌظهر عدم مسؤولية المديرية العامة للطيران المدني، واستطراداً وزارة الأشغال، عن العطل الإلكتروني، ويحصره بشركة «سيتا» وشركات الطيران الموقعة العقود معها والتي تسيّر رحلات الى بيروت. 

لم يخطئ رئيس شركة «سيتا» في منطقة الشرق الأوسط والهند وأفريقيا هاني الأسعد حين تحدّث في مؤتمره الصحافي يوم الجمعة الفائت عن «الحظ السيّئ» الذي أدى الى العطل التقني في شبكة الاتصالات التابعة للشركة والمشغّلة لحقائب الركاب المغادرين وتسلّمها، وإصدار بطاقات السفر الإلكترونية. 
لكنّ الحظ السيّئ تقاطع، وفق المعلومات، مع الخفة والإهمال من جانب «سيتا»، إضافة الى قبول شركات الطيران الموقعة مع الشركة ببنود عقد مجحف يجعل من الغرامة، عند التقصير أو الإخلال بموجبات العقد، توازي دفع فاتورة عشاء في فندق أوروبي فاخر!

في المؤتمر الصحافي أكد ممثل «سيتا» أنّ الشركة ستتحمّل كامل المسؤولية في ما يُنسب اليها ضمن الأطر القانونية». 

لجهة المديرية العامة للطيران المدني، فإنّ ما يربطها بشركة «سيتا» يقتصر على تأمين غرف لها داخل المطار لتركيب تجهيزات النظام المشغّل لنظام الحقائب ورحلات المغادرين. 

لكن، وفق المعطيات المتوافرة، فإنّ «سيتا» ملتزمة بتأمين نظام الخدمة بنسبة 99،86%، وعند حصول أيّ تقصير أو خلل يصل الى خمس ساعات تعطيل في الخدمة تدفع الشركة غرامة مقدارها نحو عشرة آلاف دولار، وهي غرامة تصبح تصاعدية بحسب الأضرار. 

ويجزم خبراء بأنّ عقوداً بهذا الحجم يجب أن لا تقلّ الغرامة فيها عن عشرة ملايين دولار، ما يطرح تساؤلات عن سبب قبول الشركات الموقّعة بهذا النوع من العقود غير المنطقية. 

«البند الجزائي» في هذه العقود يبدو كمزحة، ما يفسّر برأي خبراء، الإهمال والخفة في تأمين الخدمة. وقد أشار التقرير صراحة الى «المسؤولية المباشرة لـ «سيتا» عن العطل غير المقصود، والإهمال وعدم الالتزام بمعايير الأمان الدولية».

كما كشف التحقيق أنّ نظام الاتصالات الرديف أو الاحتياطي كان خارج الخدمة، خلال إصلاح العطب، ويكاد يكون صورياً بسبب عدم خضوعه للصيانة الدورية اللازمة أو الـتجارب الدوريّة. وبالتأكيد، وفق الخبراء، لو كان النظامُ الرديف «شغالاً» لتمّ تفادي العطل الفادح في نظام مغادرة الركاب.

لكنّ الفضيحة الكبرى التي كشفها تحقيق «المعلومات»، هو أنّ غرفة التحكّم بنظام الاتصالات (serveur)، وتسجيل الحقائب وقطع التذاكر لشركة «سيتا»، الموصول بمطار بيروت، موجودة في منطقة الباشورة، وهي تفتقر الى الحدّ الأدنى من إجراءات الحماية لناحية التكييف والعَزل ومنع حصول حوادث مفاجئة وحتى إعتداءات أو محاولات تخريب يدوية، إضافة الى نقص الصيانة! 

وقد لفت التقرير الى عدم وجود موقع مماثل في منطقة أخرى، ما كان كفيلاً بتفادي حصول العطل، إضافة الى عدم تجهيز المطار بمعدات لاستخدام الانترنت في حالات مماثلة من أجل التواصل مع الخارج ومع شركات الطيران، وهو الأمر الذي كان متوافراً مثلاً لشركة «الجزيرة القطرية» التي بقيت تعمل دون إنقطاع. 

وتفيد معطيات موثوقة بأنّ الشركة تلقّت مطلع الشهر الحالي من مركزها الرئيس في مونريال إنذاراً، غير طارئ، بوجوب تغيير مكوّن (أو بطاقة) من عقدة الشبكة. وقد اختار مهندسو الشركة تبديل المكوّن ليل السادس من أيلول بعيداً عن ساعات الذروة في المطار، لكنّ عطلاً آخر، غير متوقع ونسبة حصوله عادة تكون ضئيلة جداً، حصل ليتبيّن لاحقاً أنّ النظام الرديف هو خارج الخدمة.

وفيما كان متوقعاً أن تجري شركة «سيتا» تبديلاً للعقدة القديمة من الشبكة بعقدة جديدة نهاية الشهر الحالي، فقد فرض العطل الطارئ على الشركة القيام بهذه العملية، بعد إستنفاد الحلول الممكنة، خلال ساعات توقف الـ «النظام» بين منتصف ليل 6-7 أيلول واستمرّ العطل حتى ساعات الفجر. 

نتيجة تقرير «المعلومات» زاد في طين الخلاف العوني مع الوزير يوسف فنيانوس بلّة. 

«صكّ براءة» وزارة الاشغال من حادثة المطار دفع وزير «المرده» الى مواجهة كان يتفاداها مع «التيار الوطني الحر» ووزير العدل سليم جريصاتي الذي اتّهمه فنيانوس صراحة «بالتدخّل لإستهدافنا»، تحديداً على مستوى الضغط على القضاء والأجهزة الأمنية. 

يقول جريصاتي «التحقيق بالنسبة لي لم ينتهِ بمجرد أني لم أطّلع عليه بعد، فيما المفترض أنه لا يزال سرّياً»، متسائلاً «كيف حصل وزير الأشغال على التقرير؟». 

يضيف «وفق ما قاله فنيانوس النتائج غير مقنعة وغير واضحة، فاستناداً الى نتيجة التقرير بحصول «عطل تقني غير مقصود» تمّت تبرئة شركة «سيتا» التي اتّهمها رئيس المطار فادي الحسن بأنها المسؤولة عن العطل»، مؤكّداً «إذا تبيّن لي أنّ هناك تمييعاً في المسؤوليات سأطالب بالتوسّع بالتحقيق بعد أن يسلك مساره العلني، وسأنتظر إذا سيحصل إدعاء من قبل النيابة العامة أو لا»، مشدّداً على «أنني لن أقبل بإقفال الملف إلّا بعد تحديد المسؤوليات بشكل واضح، ومعرفة سبب حصول هذا العطل، وأنا لديّ ما يكفي من المعطيات لأطالب بالتوسّع بالتحقيق»، متسائلاً «لماذا يجب أن يتوقف التحقيق عند حدّ معيّن، ولماذا يخاف وزير الأشغال من ذهاب التحقيق «الى الآخر»، متوجّهاً الى فنيانوس بالقول «لا، خصومك ليسوا حمقى، بل يعرفون أين يهدر المال العام بالوقائع»! 

ورداً على إتّهامات فنيانوس بالتدخّل يرد جريصاتي «أنا لا أعرف أحداً في شركة «سيتا» وجلّ ما عرفته من مرجع كبير أنّ الشركة تتعامل مع 70 مطاراً في العالم، كما أنني لم أتواصل مع أيّ رئيس جهاز أمني، ولا مع رئاسة المطار ولا مديرية الطيران المدني»، مضيفاً «أنا طلبت من النيابة العامة التمييزية تحريك الدعوى العامة، والقاضي هو مَن يسمّي الضابطة العدلية».