أحسّ الحزب التقدمي الاشتراكي و»التيار الوطني الحرّ» بأنّ التوتّر بينهما بلغ مرحلةً «غيرَ مسموح بها» لأنها تهدّد استقرارَ الجبل. لكنّ المبادرة الحقيقية إلى إطفاء النار جاءت من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. لقد كانت زيارتُه للشوف في توقيتها المناسب. إلّا أنّ التهدئة لا تعني الحلحلة في السياسة، في الوقت الحاضر على الأقل: جنبلاط لن يتراجع... وربما أيضاً عون وباسيل!
 

الذين التقوا رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في الأيام الأخيرة ينقلون عنه قوله: ملتزمون بالتأكيد تهدئة الأجواء لأنّ التوتّر على مستوى الناس بلغ مرحلة خطرة ونريد تجنّبها بأيّ ثمن، خصوصاً بعدما اندلعت حربُ مواقع التواصل الاجتماعي، وعمَد البعض إلى استحضار الشهداء لدى الجميع والإساءة إليهم، ما يمسّ جوهر الكرامة عند الفرد والجماعات. ولكنّ التهدئة لا تعني أننا سنرضخ للضغوط التي تُمارَس علينا، والتي نعرف طبيعتها ومصدرها وأهدافها.

يضيفون: إذا كان الضغط يستهدف فرض تمثيل درزي معيّن في الحكومة المقبلة، فنحن أبلغنا الذين يعنيهم الأمر أننا لن نتنازل إطلاقاً عن حقّنا المشروع في كامل تمثيل الطائفة، مهما ارتفعت درجة الضغوط علينا. والمنطق الذي نرتكز إليه ثابت ولا يقبل الجدل. 

ففي الانتخابات الأخيرة، نحن حصلنا على 88% من أصوات الدروز التفضيلية، فيما حصل النائب طلال إرسلان على 8% فقط. فكيف يمكن منح مقعدٍ مِن ثلاثةٍ، أي ثلث التمثيل في الحكومة، لمَن حصل على هذه النسبة المتدنّية؟

يضيف هؤلاء: نحن نعرف أنّ المقصود هو خرق تمثيل الطائفة في الحكومة لتحقيق هدفين: أولاً محاولة ضرب التماسك الدرزي حولنا وإضعاف موقعنا داخل الطائفة بهدف استيعابها وأخذها في اتّجاهات لا تريدها، وثانياً تعطيل حقنا في ممارسة «الفيتو» الميثاقي داخل الحكومة، وهو حقّ درجت كل الطوائف على استخدامه عند الحاجة. 

وسيكون متعذّراً علينا أن نعترض ميثاقياً من داخل الحكومة إذا ما تمّ خرق التمثيل الدرزي بإرسلان أو بمَن يمثّله لأنّ قراره ليس نابعاً من القاعدة الدرزية بل من مراكز قوة أخرى.

وفي تقدير القريبين من جنبلاط أنّ الهجمة السياسية على المختارة موحى بها من الخارج وأنّ «التيار» يتولّى تنفيذَها نيابة عن آخرين. والضغط لإشراك إرسلان في الحكومة هو تحديداً مطلب للنظام السوري. فالرجل معروف بارتباطه الوثيق ببعض أركان هذا النظام. وإذا دخل الحكومة، فسيكون لهؤلاء تأثيرُهم عليه في أيِّ موقف أو قرار يتّخذه.

ولكن، وفي معزل عن الأزمة الحالية، يقول المتابعون، يجدر الاعتراف بأن لا «كيمياء» أساساً بين عون وجنبلاط. ولم تكن العلاقة على ما يرام بين الرجلين، في معظم الأحيان، حتى عندما كان عون مقيماً في باريس. 

ولكن، يستغرب هؤلاء أن تتحكّم الخصومة بالعلاقة بين جنبلاط و»التيار»، فيما حرب الجبل دارت أساساً بين الحزب التقدمي الاشتراكي و»القوات اللبنانية»، في بداية الثمانينات. وأما عون فكانت حربُه، لاحقاً في سوق الغرب، مع السوريين في شكل خاص، لا مع الاشتراكيّين.

واللافت أنّ العلاقة مع «القوات» باتت في أفضل أحوالها منذ أن تمّت مصالحةُ الجبل، والتواصلُ الإيجابيُّ قائمٌ بين الطرفين على مختلف المستويات السياسية والشعبية، وهما يدركان حدود التعاطي وأصوله للحفاظ على المناخ الإيجابي. ولكن، لم ينسحب ذلك على «التيار»، كما كان متوقعاً.

ولا تخفي بعض الأوساط الاشتراكية مآخذها السياسية على عون، حتى في ذروة «ثورة الأرز»، العام 2005. وتقول: قام جنبلاط بزيارة عون في باريس، قبل أيام من عودته إلى بيروت. وتناقش معه في الشؤون اللبنانية. ولم يدُم الاجتماع طويلاً. وقد خرج جنبلاط منه غيرَ واثق في أنّ عون ينسجم تماماً مع قوى 14 آذار. 

ولذلك، وفق الأوساط، بقي جنبلاط حذراً تجاه بعض المواقف التي يتّخذها «التيار» آنذاك. ولاحقاً، بعد عودة عون إلى بيروت، استخدم جنبلاط عبارة «التسونامي» لرفض وصوله إلى رئاسة الجمهورية. وفي أيّ حال، جرى ما كان متوقعاً وانتقل «التيار الوطني الحرّ» باكراً من صفّ إلى آخر. 

وعلى رغم أنّ جنبلاط تراجع عن موقفه الرافض لوصول عون إلى رئاسة الجمهورية، واقترع له في الانتخابات الرئاسية، في العام 2016، فإنّ «التيار» رفض عرض المختارة تشكيل لائحة توافقية في الانتخابات النيابية الأخيرة يتمثل فيها الجميع. وأصرّ على لعب ورقة إرسلان في الجبل وداخل الطائفة.

واليوم، تضيف الأوساط، ربما يراهن «التيار» على تحوّلات إقليمية تؤدي إلى تقوية فريق على حساب آخر في الداخل اللبناني. ولكن، لا جدوى من هذه المراهنة. ففي أيّ حال، سنتمسّك بحقّنا في تمثيل الطائفة بكل مقاعدها في الحكومة، ولو طالت أزمة التأليف. وكما نحن نحترم تمثيل الطوائف الأخرى، ولا نحاول أن نفرض على أحد مَن يمثله، نريد من الآخرين أن يحترموا موقعنا ويعاملونا بالمثل.