هل يكفي البكاء على الحسين؟ هل العاطفة وحدها تعبر عن الموقف الصحيح من الحسين؟
 

ما زالت ذكرى عاشوراء تشكل وعلى مر التاريخ المناسبة الأكثر إثارة للعواطف الإنسانية النبيلة، وما زالت أحد أهم الملاحم التاريخية التي تفرّدت بأبعادها العاطفية ذات التأثير الكبير في نفوس شرائح كبيرة في العالم الإسلامي عموماً وفي العالم الشيعي خصوصاً، فكان تعبير الشيعة عن الحزن أكثر شيوعا من خلال البكاء واللطم وأشكال أخرى متعددة.

وفيما أكدت روايات كثيرة على استحباب البكاء على الحسين عليه السلام وأهمية الدمعة كنوع من أنواع الإتصال العاطفي والإنساني بقضية الإمام الحسين عليه السلام، إلا أن ما يحصل خلال إقامة الشعائر أفقد المناسبة هيبتها وقدسيتها وأهميتها وانحصرت المجالس بأهمية البكاء فيما يتبارى قراء العزاء "من يستطيع أن يبكي الجماهير أكثر" فتتحول المناسبة عن أهدافها ويكون البكاء وسيلة العبور الخاطي إلى الإمام الحسين وقضيته وإلى أهداف الثورة الحسينية المباركة.

فكان السؤال مبررا وهو : هل يكفي البكاء على الحسين؟ هل العاطفة وحدها تعبر عن الموقف الصحيح من الحسين؟

البكاء وإن كان مطلوبا للتعبير عن المواساة إلا أنه يجب أن يختزن قيمته وأهميته ويستطيع أن يكون حافزا للإقتداء بالإمام الحسين عليه السلام وتعاليمه، يجب أن يكون عبورا تلقائيا إلى عاشوراء كلها التي تتجسد بمواقف فوق الحزن والبكاء  مواقف وتضحيات ما زالت حتى يومنا هذا تزخر بالعطاء والتحدي بدءاً من حركة الإمام الحسين عليه السلام مروراً بالعباس والاصحاب وصولا إلى السيد زينب بنت علي عليهما السلام والتي كانت بذاتها إحدى أهم منابر عاشوراء وإحدى أهم ركائز الثورة الحسينية واستمراريتها.

يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في تعبير عن أهمية وعي البكاء على الحسين عليه السلام: 

" عمر بن سعد بكى عندما مرت زينب عليها السلام في موكب السبايا، في الضحايا، حينما اتجهت الى رسول الله (ص) تستنجده أو تستصرخه أو تخبره عن جثة الإمام الحسين وهي بالعراء، عن السبايا و هم مشتتون،عن الأطفال وهم مقيدون، حينما أخبرت جدها بكل ذلك ضج القتلة كلهم بالبكاء!!

ويضيف : إذن البكاء ليس ضمانا، العاطفة وحدها ليست ضماناً لإثبات أن صاحب هذه العاطفة هو لا يقف موقفا يقتل فيه الإمام الحسين، أو يقتل فيه أهداف الحسين!".

إقرأ أيضًا:  في البقاع انتفاضة حسينية عاشورائية ... بقاعنا محروم يا حسين

مجرد أننا نحب الإمام الحسين،مجرد أننا نزور الإمام الحسين مجرد أننا نبكي على الإمام الحسين، مجرد أننا نمشي لزيارة الإمام الحسين لا يكفي وليس ضماناً ودليلا لكي يثبت أننا لا نساهم في قتل الإمام الحسين! 

يجب ان نحاسب انفسنا، يجب ان نتأمل في سلوكنا، يجب أن نعيش موقفنا بدرجة اكبر من التدبر والعمق والإحاطة والانفتاح على كل المضاعفات و الملابسات، لكي نتأكد من أننا لا نمارس من قريب أو بعيد بشكل مباشر أو غير مباشر قتل الإمام الحسين (ع)!

ولذا فإن من الواضع أن ندرك أن البكاء على الحسين مسؤولية هو أيضا وأن هذه الدمعة دمعة مسؤولة وهي لقضية إنسانية خالدة 

وفيما عدّ الإمام السيد موسى الصدر رحمه الله حصر ذكرى عاشوراء بالكاء اعتداء على الإمام الحسين فقال في إحدى محاضراته عن عاشوراء: 

"أما الصنف الثالث من الأعداء: فهم الذين أرادوا تشويه أهداف "الحسين"، تجميد واقعة كربلاء في ذكراه، حصر ذكرى "الحسين" في البكاء والحزن والنحيب. نحن نبكي "الحسين"، نبكيه كثيرًا، ولكن لا نقف عند البكاء أبدًا؛ البكاء لكي يجدد أحزاننا وأحقادنا ورغبتنا في الانتقام، وغضبتنا على الباطل، هذا هو المطلوب من البكاء. لماذا نذكر المصرع؟ لماذا نتلو المصرع الفجيع المزعج؟ نتلوه فقرة بعد فقرة لكي نستعرض الواقع فنغضب وندرك أبعاد خطر الظالمين وقسوتهم، وندرك أبعاد التضحيات وقوتها."

وأضاف الإمام الصدر: "أما إذا اكتفينا بالبكاء واعتبرنا "الحسين" شهيد العبرات، وأن واجبنا قد أُديَ بأننا اجتمعنا وتحدثنا وبكينا ثم ذهبنا مسرورين إلى بيوتنا، مغفوري الذنوب، مرتاحين، أدينا واجبنا واسينا "فاطمة" في ذكرى ابنها العزيز.. كلا! "فاطمة" و "الحسين" يرفضان، بالعكس إذا اعتبرنا أن الذكريات الحسينية مجرد التحدث والبكاء، فاسمحوا لي أن أقول أن هذا مضر لأن هذا ينفّس ويفش الخلق كما نسميه في المصطلح. أولئك الذين حاولوا أن يجعلوا مقتل "الحسين" مجرد ذكرى، مجرد بكاء، مجرد حزن، دون تطبيقات عملية وانعكاسات حية على سلوكنا وعلى اختيارنا وعلى حياتنا، أولئك شوّهوا أو حاولوا تشويه أهداف "الحسين" (ع)، هؤلاء هم أخطر الأعداء لأنهم يقلعون جذور الذكرى، لأنهم يُعدمون آثار التضحيات، لأنهم يخفون عن الضمائر حقيقة ما طلبه "الحسين" ووقف لأجله "الحسين" رغم أنه أكد كالمظاهرات التي ترفع الشعارات في كل لحظة أكد ماذا يريد، قبل خروجه من المدينة وقبل خروجه من مكة وفي كل منزل وليلة عاشوراء ونهار عاشوراء، ومع كل حادثة جديدة خطبة واحتجاج حتى في اللحظات الأخيرة، بشكل بارز يطرح شعارات معركته وأبعاد صراعه ويؤكد ماذا يريد ولماذا يدخل هذه المعركة القاسية ويقدم كل هذه التضحيات. إذًا، الثلث الثالث من الأعداء أولئك الذين يحاولون أن يُعدموا روح ذكرى عاشوراء، جوهر وجود "الحسين"، أولئك يجمدون الذكرى في فترة زمنية من التاريخ ثم ينظرون إليها من القرن العشرين وكأنه ماضٍ سحيق مذكور في الكتب ينظرون إليه فيبكوه."

إذن فإن إحياء عاشوراء مسؤولية كبيرة والبكاء على الحسين مسؤولية كبيرة مسؤولية دينية و أخلاقية و إنسانية هي مسؤولية تجاه الإمام الحسين عليه السلام قبل غيره .