ثبُت بالوجه الشرعي أن الرئيس نجيب ميقاتي لم يكن مخطئا في رفضه تمديد ولاية مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، بل هو أصاب عين الصواب في المقاربة التي قدمها بهذا الخصوص، وأكد فيها أن موقفه نابع من حفاظه على مقام المفتي، ومن حرصه على صون الشخص الذي خدم هذا المقام، مشددا في حينها على أن التمديد سيضرب هيبة المقام وسيسيء الى الشخص الممدد له.

لم تمر أيام قليلة على صدور قرار مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان بتمديد ولاية المفتي الشعار لسنة وثلاثة أشهر، حتى بدأ الجميع يدرك بأن ما قاله الرئيس ميقاتي لم يكن موقفا شخصيا، وإنما كان يصب في الصالح العام للطائفة، لجهة وضع المقامات الدينية فوق كل التجاذبات والصراعات والتدخلات لما لها من رمزية لا يجوز لأي كان أن يتهاون بها.

يمكن القول أن ما حذر منه الرئيس ميقاتي قبل التمديد، بدأت ترجمته بعده وبشكل سريع جدا، سجالا وخلافا وطعنا وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن شأن ذلك كله أن يسيء الى المفتي والى مقامه وربما الى الطائفة برمتها، وهو أمر لم يدرك خطورته الرئيس سعد الحريري الذي أصر على هذا التمديد، ولا مفتي الجمهورية الذي لبى رغبة الحريري، ولا المفتي الشعار الذي سعى الى هذا التمديد الذي ألحق أضرارا فادحة بمفتي طرابلس مقاما وشخصا، اكثر بكثير من الفائدة التي قد يجنيها الشعار بابقائه في منصبه سنة وثلاثة أشهر.

أول الغيث كان محاولة الشعار الاستقواء بقرار التمديد، ومحاولته إستفزاز قيادات طرابلس وفي مقدمتها النائب فيصل كرامي بمواقف طالت والده الراحل الرئيس عمر كرامي، فما كان من كرامي إلا أن ردّ له الصاع صاعين، ما أضطر الشعار الى التنصل والتراجع عن المواقف التي أطلقها، محملا المسؤولية الى بعض الاعلاميين الذين “نقلوا كلامه بشكل خاطئ”، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن مواقع التواصل الاجتماعي ما تزال تشتعل بالانتقادات التي يطلقها مشايخ وشخصيات ومواطنون ويصل بعضها الى حدود الاساءة الى المفتي الشعار والى قرار التمديد الصادر عن مفتي الجمهورية، كما لم توفر هذه الانتقادات الرئيس الحريري.

وليست بعيدة المواقف العلنية التي أطلقها أعضاء المجلس الشرعي في طرابلس والشمال والذين يتجهون الى تقديم طعن الى مجلس شورى الدولة بقرار التمديد ما سيجعل أعضاء المجلس من الموارنة والشيعة والدروز وغيرهم يتدخلون في قضية دينية سنية خاصة كان من المفترض أن تبقى بمنأى عن هذه التدخلات، نظرا لسمو موقع الافتاء الذي كان من المفترض أن يسعى الجميع للحفاظ عليه وعدم إدخاله في أية تجاذبات.

يبدو واضحا أن التمديد سيفرض حواجز وعراقيل وعقبات ومطبات أمام مسيرة الشعار خلال المرحلة المقبلة، وأن الخطأ الذي إرتكب باقراره سيلاحقه في كل عمل يقوم به ولو كان إيجابيا، فضلا عن المقاطعة التي يواجهها الشعار سياسيا ودينيا وشرعيا، ما سيجعل ضرر هذا التمديد أكثر من نفعه على المقام وعلى الشعار نفسه، وهذا ما حذر منه الرئيس ميقاتي الذي دعا الى الحفاظ على القانون والى إحترام المهل، لأن ذلك يصون المقام ويحفظ كرامة المفتي، وهذه الدعوة كان من المفترض أن يتلقفها الحريري ودريان والشعار، خصوصا أن ميقاتي يشكل اليوم خط الدفاع الأول عن الطائفة السنية وعن مواقعها سياسيا ودينيا وإداريا.