لم يكن الانتماء السياسي لحزب من الأحزاب في لبنان يوماً، جرماً يعاقب عليه القانون الوظيفي، بل وعلى العكس كان هذا الولاء في كثيرٍ من الأحيان يتفوق على الكفاءة والخبرة والشهادات ويُعتبر شرطاً أساسياً لاعتلاء أي وظيفة رسمية لا سيما تلك ذات المنصب "الحرزان".

لكن هذا لا يعني أن كل من وصل لهذه المناصب لا يستحقها، بل قد يكون اتخذ من ولائه السياسي جسراً للعبور لا اكثر، في بلدٍ باتت فيه وظائف الدولة امتيازات خاصة لارباب الأحزاب وسماسرتها.

فلا زال البلد يضج بقرارات الإعفاء التعسفية لأسباب سياسية التي قام بها كل من وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال مروان حمادة، مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، ووزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال طارق الخطيب، بحق كلاً من رئيسة دائرة الامتحانات في وزارة التربية هيلدا خوري، مدير مديرية الدراسات في "كهرباء لبنان" رجى العلي، ومدير لجنة محمية أرز الشوف نزار هاني.

اسماءٌ ثلاثة سيحفظها تاريخ لبنان الوظيفي، بعد قرارات انتقامية تؤكد أن ما عاد هناك فرقٌ بين هذا البلد والمزرعة، لا سيما بعد أن جاهر بعض أصحاب القرار بأن تدبيراتهم هذه كيدية سياسية بطريقةٍ تدلّ على الدرك الاسفل الذي وصلت له الحياة السياسية اللبنانية على خلفية صراع الحصص الوزارية.

لكن من يحمي الموظف من الكيديات السياسية، ومن يحفظ حقه بعد سنوات من العمل، وهل من قانون يمنع أرباب المؤسسات العامة من التشفي بالموظف لأسباب سياسية؟

يوضح المحامي سامر حمدان في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" حيثيات هذه القرارات القانونية والجهة المخولة النظر بمشروعيتها. ويؤكد أن هذا النوع من القرارات دقيق لاسيما أنّه يحتفظ للموظف برتبته وراتبه في وظيفته السابقة والاستفادة من سائر المنافع باستثناء المعنية بالتخصيص لوظيفته السابقة.

لكن طالما أن القرار الحاضر (وهو تدبير اداري صادر عن السلطة التسلسلية المختصة)، جاء من دون أن تُطبق بشأنه الاصول والقواعد المتعلقة بالتدابير التأديبية لا سيما حق الدفاع والتحقيق مع الموظف، وتوضيح الاسباب والمبررات التي دعت للقرار، فهذا يعني أننا أمام فئة جديدة من التدابير تقع بين التدابير التأديبية والتدابير الادارية او التسلسلية، بحسب حمدان.

فاستغلت الإدارة السلطة الاستنسابية لديها في هذه الحالة، واستفادت من أن تدبير الإعفاء من المهام غير موجود ضمن القرارات التاديبية المنصوص عنها صراحةً في القانون، فلجأت لهذا النوع من القرارات الإدارية التي فيها تأديب مبطن.

الأمر الذي استدركه مجلس شورى الدولة واعتبر نفسه معنياً بالنظر في مشروعية القرارات المماثلة طبقاً للاجتهاد المكرر الموجود في نظام المجلس الاساسي، إذ يعتبر الاجتهاد ان هذا التدبير الاداري يقع من حيث تحديده بين التدبير التسلسلي والتدبير التأديبي وان له صيغة تأديبية، فيخضع بالتالي لمعاملة تأديبية اساسية وجوهرية وهي الاطلاع المسبق للموظف على الملف ليتمكن من الدفاع عن نفسه وتقديم كل ما لديه من دفوعات ووثائق. وإن الثابت من المعطيات العامة ان القرار، موضوع البحث، لم يسبقه اي تحقيق مع المستدعي الذي لم يتبلغ اي مأخذ من المآخذ التي من شأنها ان تبرر اعفاءه من مهام وظيفته.

وجاء الاجتهاد ليمنع "شورى الدولة" الإدارة من استعمال السلطة الاستنسابية الممنوحة لها كسلطة كيفية او تعسفية، لأن حق الادارة بممارستها يتمثل في حقها بملاءمة اتخاذ التدبير في الظروف والاسباب التي تفرضها المصلحة العامة ولاجل حسن تنظيم وسير مصلحة المرفق العام ويبقى للقضاء حق مراقبة استعمال هذه السلطة وصحة الاسباب القانونية والمادية التي يمكن ان يبنى عليها التدبير المتخذ سندا اليها .

وبذلك تكون هذه القرارات بعدم مراعاتها حق الدفاع وتوضيح الاسباب مستوجبة الابطال أمام مجلس شورى الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الحصول على تعويض عن ذلك، في حال ثبوت الضرر، وفقاً لحمدان.

وفي سياقٍ متصل قام بعض الناشطين والمهتمين بالشأن العام بمبادرة لتوقيع عريضة الكترونية "لرفع الصوت الرافض لكل اشكال الكيدية السياسية التي تطال الموظفين كإجراء اقصائي تعسفي غير قانوني وغير اخلاقي" كما يؤكد الناشط في المبادة فادي نصر الدين.

وكشف نصر الدين لـ"ليبانون ديبايت" أن القيمين على الحملة بصدد العمل على عدة جبهات بعد الانتهاء من جمع التواقيع، منها التوجه نحو المعنيين، والشارع، ومنهاالتوجه نحو دعوى قضائية هي تحت البحث الجدي اليوم بين الناشطين.