مثل الوزير وليد البخاري وجه الدبلوماسية السعودية المحاور والمحبّ والمنفتح والمثابر على التواصل الإيجابي
 
على خلاف ما تمنى وتوقع أصحاب الحملات المسعورة على الوزير المفوض وليد البخاري ، صدر القرار الملكي بتعيينه سفيراً للمملكة العربية السعودية في لبنان ، بعد أن كانوا يـُمنـّون أنفسهم بأنه سيكون خارج المعادلة اللبنانية عند إستحقاق تعيين السفير الجديد ، لكن البخاري حضر وبين يديه ملفات كثيرة ، على رأسها تقديم الرؤية السعودية الجديدة في الحفاظ على الهوية العربية والتطوير في التنمية وفي مقاربة التركيبة اللبنانية التي تشكل اليوم ملتقى الصراعات المحتدمة في المنطقة.
 
راهن الممانعون وروّجوا أن الوزير البخاري لا يحظى بإهتمام القيادة السعودية وأوردوا روايات مختلقة ليروّجوا بأن السفير المقبل سيأتي ليطوي صفحة البخاري ويمحو آثاره السياسية والثقافية في لبنان.
 
إعتبر خصوم البخاري أن العادة في العمل الدبلوماسي تقضي بعدم تثبيت القائم بالأعمال سفيراً ، وأن هذا التثبيت مستبعد نظراً لعدم قدرة البخاري على الوصول إلى التواصل مع هرم القيادة السعودية.. لكن ما حصل هو العكس تماماً ، ليصدر القرار بتعيين السفير المفوض القائم بالأعمال سفيراً للمملكة في بلاد الأرز. 
 
الأمر الأكيد أن تعيين الوزير البخاري لم يكن خبراً جيداً لقوى الممانعة الإيرانية والأسدية في لبنان ، وهو سيواصل نشاطه التراكمي الفاعل المبني على الإنقتاح والتعاون وإيلاء الإهتمام لقضايا لبنان الحيوية ، سواء السيادية منها أو الإقتصادية أو الثقافية. 
 
من خلال ردود أفعال محور الممانعة كنا نلمس مدى تأثير نشاط البخاري عليهم ، وبتنا ندرك أن هذا التوجه التراكمي يمضي في الإتجاه الصحيح ، خاصة أنه شمل التواصل مع مواقع الإستقطاب الديني الكبرى في لبنان ، إسلامياً ومسيحياً ، وطائفياً ومذهبياً ، فلم يبقى خارج دائرة التواصل إلا من أخرج نفسه وحوّل موقعه إلى نقطة إستتباع خارجية لا تملك من أمرها شيئاً.
 
تحديات بإنتظار البخاري
 
تنتظر السفير البخاري تحدياتٌ كثيرة منها ما يتعلّق بوضع لبنان في قلب الواقع العربي المتفجّر والمساعي الدائمة لإخراج البلد من دائرته الطبيعية وحبسه في محور الممانعة وتحويله منصة لإيران في وجه الدول العربية ، إضافة إلى ما يواجهه لبنان من مصاعب إقتصادية وصلت حدود الخطوط الحمراء ، مع ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية شديدة الخطورة.
 
أما المهمة التي لا تقلّ أهمية عن ما سبق ، فهي كيفية التعاون مع أصدقاء المملكة العربية السعودية في لبنان ، ليس على قاعدة تشكيل جبهة سياسية تقليدية ، وإنما على قاعدة إنقاذ لبنان ، الشعب والدولة والمؤسسات ، من مصير شديد الخطورة ، مع ما ستحمله التطورات الإقليمية والدولية من عواصف لن تتحوّل عن لبنان وستصيبه بضربات قاسية وقد تكون قاصمة ، إذا لم تـُؤمـّن للبلد مظلة حماية صلبة.
 
صحيح أن المملكة صُدمت بكثير من راكبي الموجات ومدّعي البطولات ورافعي الشعارات ، لكن الواقع يؤكد أن مجمل من قام بالخداع السياسي أو الإنمائي بات مكشوفاً ، وأن التجربة أوضحت من صمد ويصمد ومن تخلى وتولى وإنقلب.. وخلال السنوات العجاف التي عبرت ، ظهر أيضاً للعيان وجود قيادات ومجموعات واسعة من المجتمع المدني ، إسلامياً ووطنياً ، تعتبر التعاون مع المملكة العربية السعودية أولوية ، وهي تمتدّ من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، ومن العاصمة إلى البقاع من دون نسيان جبل لبنان ، شاملة كل الشرائح والتلاوين الدينية والمناطقية.
 
يمثل الوزير وليد البخاري وجه الدبلوماسية السعودية المحاور والمحبّ والمنفتح والمثابر على التواصل الإيجابي ، ولكنه يمثـّل أيضاً صورة السعودية القوية التي لا تقبل بأن تكون مكانتـُها وموقعـُها موضع تشكيك ، وهدفها الذي وضعته نـُصْبَ عينيها في لبنان إستعادة الدولة من خاطفيها وحماية البلد من سياسة "حزب الله" المدمـِّرة ، من دون الإنزلاق إلى ما يريده محور الممانعة من صراعات تؤدي إلى حرب جديدة.
 
السفير البخاري سفيراً للمملكة العربية السعودية في لبنان ، على الممانعة أن تقلق وعلى الأصدقاء والحلفاء أن يعملوا لتحصين الوحدة الوطنية والبحث عن الأطر المناسبة لتعزيز نضالهم في وجه الهيمنة الإيرانية على لبنان ، بروحية متحرّرة من الأنماط المسبقة والتقدّم نحو صيغٍ إبداعية نضالية تواكب التحديات الكبرى المنتظرة.
 
أحمد الأيوبي
 
أمين عام التحالف المدني