كثيرة هي التناقضات التي ترخي بثقلها على الرئيس المكلف سعد الحريري وذلك الى درجة ″التخبط″ الذي من شأنه أن يسيء إليه، أو أن يعرضه لانتقادات، خصوصا أن الرجل يريد بأي ثمن الحفاظ على الكرسي الثالثة، وعلى كل المكاسب التي يعتبرها حقا شرعيا له، على قاعدة (البيضة وقشرتها) متناسيا أن ثمة ظروفا ومعطيات قد تبدلت، وأنه لم يعد بمفرده متحكما بالساحة السنية، بل بات لديه شركاء كثر فرضتهم نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.

يبدو واضحا أن الحريري ومنذ تكليفه تشكيل الحكومة، والاستغناء عن خدمات مدير مكتبه نادر الحريري، يتبع مدرسة سياسية جديدة، قائمة على ″اللاموقف″ حيث يحرص على مسايرة وإرضاء جميع التيارات على تناقضاتهم وصراعاتهم، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة في السياسة والاستمرار في الحكم أو حاليا في التكليف، فضلا عن إستغلال كل من حوله للوصول الى مبتغاه، من دون أن يقيم وزنا الى الأضرار التي تلحق بالشارع السني الذي يدفع بمفرده ثمن هذا السلوك غير المسبوق في السياسة اللبنانية.

يسعى الحريري الى تحصين صلاحيات رئاسة الحكومة في وجه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، فيستعين برؤساء الحكومات السابقين الذين يذهبون بعيدا في رفع الصوت حفاظا على الصلاحيات وفي تأمين مظلة أمان للحريري، وفي الوقت نفسه يرسل الرئيس المكلف الاشارات الايجابية الى رئيس الجمهورية، ثم ينتقد أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري بشدة ″العازفين على وتر الصلاحيات″ ويؤكد أن ″الطريق بين قصر بعبدا وبيت الوسط سالكة وآمنة″، فعلى أي أساس يطلب الرئيس الحريري مؤازرة القيادات السنية، طالما أن الأمور على ما يرام بينه وبين رئيس الجمهورية.

يدرك الحريري أن الانتخابات التي جرت على أساس النسبية أفرزت عشرة نواب سنة من خارج مظلة تيار المستقبل، ورغم ذلك تشير المعلومات الى أنه يريد إحتكار الوزراء السنة لمصلحة تياره، من دون أن يرد التحية بأحسن منها الى من وقف الى جانبه ودعم مهمته أو أن يعترف بالخصوم الذين إختارهم الشعب في صناديق الاقتراع، بينما يرضخ لرغبة رئيس الجمهورية بأن يكون له وزيرا سنيا وأن يعطيه بدلا منه وزيرا مسيحيا.

يرفع الحريري الصوت على مدار أكثر من عقد من الزمن، مطالبا بالعدالة في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويدفع لبنان تكاليف باهظة للمحكمة الدولية ترهق خزينته، ويكاد الشارع السني يدخل في حرب أهلية على وقع إنشاء هذه المحكمة، وعند بدء المرافعات الختامية يؤكد الحريري بأنه ″لن يلجأ للثأر من القتلة″، وذلك لعدم إثارة حفيظة حزب الله الذي يعتبر شريكا أساسيا في التسوية التي ساهمت بتكليفه تشكيل الحكومة، لأن غضبه ليس من مصلحته في الوقت الراهن، متناسيا أن ثمة شهداء سقطوا على طريق إنشاء هذه المحكمة وأن طرابلس شهدت أكثر من جولة عنف بعنوان المحكمة الدولية.

لا يريد الحريري إغضاب السعودية التي يعلم أن رصيده لديها قد إنتهى، وأن أي خطأ قد يرتكبه مجددا سيكون له تداعيات سلبية جدا عليه، وفي الوقت نفسه لا يريد ضرب التفاهم مع قوى 8 آذار لا سيما حزب الله وحركة أمل حرصا على التكليف وعلى البقاء في الحكم، كما يصر على إرضاء القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والحفاظ على حصتهما الوزارية كونهما موصى بهما سعوديا، وفي الوقت ذاته يعمل تحت مظلة رئيس الجمهورية الذي يرفض حصتيّ القوات والاشتراكي، ويحرص على إستمالة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يصرّ على الثلث المعطل على حساب حليفيّ الحريري.

كل ذلك يجعل الحريري يدور في حلقة مفرغة، تدفعه الى الاعتماد أكثر على النظرية الميكافيلية ″الغاية تبرر الوسيلة″، وفي هذا الاطار يقول بعض المطلعين: إن ما يسعى إليه الحريري هو البقاء في رئاسة الحكومة والتحكم بمفاصل الدولة ووضع يده على بعض المواقع الحساسة، ولو كلّف الأمر مزيدا من التنازلات، أو التخلي عن بعض الثوابت، وهو أمام هذا الواقع لا يستقوي إلا على أركان طائفته..