هل يذهب «التقدمي» في معارضة العهد إلى النهاية أم «لا زال للصلح مطرح»؟
 

يبدو أن مشكلة تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي في الحكومة قد باتت اكثر استعصاء على الحل من مشكلة تمثيل «القوات اللبنانية»، بسبب تصلب «الاشتراكي» في مطالبه الوزارية ومرونة «القوات» النسبية في البحث عن بدائل ولو كانت صعبة التحقيق، ما يجعل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة صعبة التحقيق في المرحلة المنظورة، بغض النظر عن وجود اسباب خارجية ضاغطة ايضا تؤخر التشكيل، منها التسريبات عن رفض اميركي تسليم «حزب الله» حقائب اساسية او خدماتية وصولا الى تسريبات عن رفض تمثيله أصلا في الحكومة، وهو ما يعارضه الرئيس سعد الحريري بشدة، ويصر على تمثيل كل الاطراف. لكن بدا من خلال السجالات الساخنة التي دارت خلال الاسبوع الماضي ان الحزب الاشتراكي من رأسه حتى كوادره الصغرى، وكذلك «التيار الوطني الحر»، ليسا في وارد المهادنة لا الاعلامية ولا السياسية، خاصة ان الحزب الاشتراكي اتخذ على ما يبدو منحى معارضة العهد بكل رموزه الدستورية والنيابية والحكومية، بعدما رأى ممارسات وصفها مسؤولوه بأنها محاولات لإقصائه او تحجميه لمصلحة اطراف متحالفة مع العهد، اضافة الى مستجد سياسي جوهري تمثل باتهام «التقدمي» لـ«التيار الحر» بمحاولة تعديل اتفاق الطائف او على الأقل تجاوزه بالممارسة الاحادية. في حين لا زالت اوساط القصر الجمهوري تؤكد مباشرة او عبر الحلفاء ان معايير المشاركة المطروحة تستند الى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وعلى مبدأ إشراك كل القوى السياسية التي تمثلت في البرلمان بنسبة معينة تتيح لها المشاركة في الحكومة، من منطلق الرغبة المشتركة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على تحقيق برنامج العهد والرئيس المكلف في النهوض بالاقتصاد وتحقيق الاصلاحات اللازمة في بنية الدولة على كل المستويات الاقتصادية والاجرائية والادارية.

لكن السؤال: هل يمكن للحزب التقدمي ان يذهب بمعارضة العهد حتى نهاية ولايته سواء من داخل الحكومة او من خارجها، ام انه لا زال للصلح مكان في العلاقة بين الطرفين؟ ومن هو الفدائي الذي قد يفلح في تحقيق حد ادنى من العلاقة المريحة بينهما؟

يبدو أن كلا من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري حاولا جاهدين وضع الامور على سكة التهدئة والبحث عن مخارج لأزمة تشكيل الحكومة وتبريد الجو الساخن بين الطرفين، خاصة مع اللهجة الهادئة التي يعتمدها الرئيس عون في مقاربة المشكلة من دون انفعال او تجريح، لكن دخول بعض المتحمسين لهذا الطرف او ذاك من انصار الطرفين لا زال يفاقم المشكلة ويزيد من حدة السجالات بمواقفه الساخنة ما يعيق الوصول الى حل للخلاف، عدا عن انه لم يبحث اي طرف بعد بالسبب الجوهري للخلاف بين العهد والتيار من جهة وبين الحزب التقدمي من جهة اخرى، وهو شعور وليد جنبلاط بوجود محاولة لتحجيمه والغاء دوره المؤثر في السياسة وفي منطقة الجبل لمصلحة تعزيز وجود خصومه، ولا زالت المعالجات تتركز على محاولة وقف المماحكات اليومية حول امور اجرائية مثل الحصة الوزارية او الخلاف على مشكلات الكهرباء والخدمات والادارة وسواها، فكلها نتيجة للسبب الجوهري الاساسي. 

وفي المقلب الاخر، يشعر الرئيس عون ان عهده مستهدف بكل ما يحمله من احلام مشاريع اصلاحية، بسبب اعتقاده ان الحزب التقدمي و«القوات اللبنانية» يحاولان شل العهد ومنعه من تحقيق النقلة النوعية في الحكم، فيما يشعر التيار ان هناك من يسعى الى تحجيم نفوذه في الساحة المسيحية.

وتبدو مستعصية محاولة ترييح جنبلاط من جهة وارضاء العهد و«التيار الوطني» من جهة اخرى، فلكل منهما اسبابه في التشدد بموقفه، من هنا يقف الرئيس الحريري عاجزا عن تأليف الحكومة، ويقف الرئيس بري موقف الناصح و«ما بيده حيلة»، برغم تأكيده انه سيسعى لإقناع جنبلاط بتدوير الزوايا الحكومية بعد حل مشكلة التمثيل المسيحي. ولكن يبقى العلاج بحلول وخطوات اجرائية تُطمئن الطرفين. لذلك لا بد من تسوية سياسية كبرى ليس لترييح الطرفين فحسب، بل لترييح البلد من شر الانقسام الخطير الذي يأخذ تحت الرماد ابعاداً طائفية وحزبية تهدد الشارع المشترك.