خلافا لقصة التايتنيك الشهيرة التي تعطلت وهوت دون سابق إنذار حيث لم يكن من المتوقع لبارجة سياحية تعد الأكبر والأمتن والأجود من حيث التصنيع أن تلقى هذا المصير الحزين، وخلافا للحكايا التي بقيت بعد الرحيل كأروع قصة حب حكاها وأنشدها الملايين، وخلافا لشعور من قطنها وجاب على متنها والحزن العميق على إندثارها وتلاشيها، خلافا لكل هذا، ها هو اليوم واقع السلطة الإيرانية، كبارجة حربية متنقلة تترنح في محيط هائج إنما هشة التصنيع ورقية لا أحد يبكيها حتى من هم على متنها ولا تحمل في خباياها سوى قصصا دامية تتوزع هنا وهناك.صناعة ورقية هشة لا تستطيع مواجهة رياحا بسيطة، فكيف إذا كانت أعاصير؟
مقومات هشاشتها تكمن في تركيبتها السلطوية الفوقية المتحكمة الجاذبة للمقاومة والمعارضة والسعي الدائم لتغيير المصير وتحريره من القبضة الفولاذية الصلبة المسلطة على الأعناق إعداما وإغتيالا.فلا عجب ونظرا لطبيعة السلطة الإيرانية الفوقية أن تواجه اليوم مصيرها وحدها دون قاعدة شعبية داعمة إضافة إلى غضب إقليمي عارم ودولي عاصف حتى باتت على شفير الغرق وسط تيارين لا ثالث لهما، حيث على النظام الإيراني اليوم أن يخضع لمطالب المجتمع الدولي وبالأخص شروط المواد الإثني عشر للولايات المتحدة والتي من خلالها سيسجل تراجع واضح للنظام، هذا التراجع الذي سيفتح الباب واسعا أمام الانتفاضة الشعبية حتى سقوط نظام الملالي، أو الإستمرار في طريق المواجهة، إنما النتيجة ستكون هي التدهور الاقتصادي والحصار المحكم الذي يفوق طاقة المجتمع على التحمل الأمر الذي سيؤدي إلى إنتفاضة عارمة لا محالة، وفي كلا المسارين سقوط حتمي للنظام.فلقد شهدت الفترة الأخيرة هروبا لرؤوس الأموال وارتفاع لحجم السيولة في إيران بنسبة 20% في العام الماضي حسبما أعلن البنك المركزي الإيراني رسميا يوم الإثنين 10 أيلول الجاري، وقد إعتبرت زيادة السيولة في البلاد كواحد من العوامل الرئيسية وراء تقلبات سعر الصرف بالإضافة إلى عدم وجود قناة آمنة للإستثمار مما يؤدي إلى تذبذب سعر العملات، وبحسب وكالة أنباء إيسنا فإن الزيادة في السيولة هي أحد عوامل التضخم والاضطراب في السوق ومع هذا، فإن معظم الحكومات في إيران تعمل على زيادة السيولة السنوية.وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية تسبب ارتفاع الدولار في إنخفاض العملة الإيرانية والقوة الشرائية بنسبة 80% ، ومن المرتقب أن ترتفع معدلات التضخم إلى أكثر من 30% ومزيد من التدهور في القدرة الشرائية الإيرانية حيث أن نسبة السيولة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الإقتصاد العالمي تتراوح بين 60 و70 في المائة، لكن في إيران هذه النسبة هي 110 في المائة، إضافة إلى أن ضعف النظام المالي والمصرفي في إيران يمنع توجيه السيولة نحو الإنتاج وقد شهد العام الماضي هروب أكثر من 30 مليار دولار.يترافق هذا الواقع المالي الخطير مع أزمات عدة منها البطالة والركود والتفاوت الطبقي الفاحش لمصلحة النظام والحاشية الموالية حيث أن 75% من الودائع المصرفية مملوكة ل 7% من الناس، مع اختفاء كامل للطبقة الوسطى وسقوطها تحت خط الفقر ومع وجود أكثر من 30 مليون شخص في فقر مدقع لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش مما يجعل من المواطن في إيران ليس فقط العنصر المعارض والمقاوم للسلطة إنما أيضا المنتظر والمترقب مزيدا من الضغوط الدولية حتى الإسقاط الكامل الذي قد يحدث في إحدى محطات الضغط القادمة.ففي السادس والعشرين من الشهر الحالي سوف يعقد إجتماع لمجلس الأمن يترأسه الرئيس الأميركي ترامب، أما الموضوع الرئيسي فهو كيفية التعامل مع النظام الإيراني ومحاسبة تدخلاتها الإقليمية.أما الأول من تشرين القادم فهو الموعد النهائي لبروتوكول العمل المالي للنظام الذي إذا لم يتم اعتماده سيدخل في القائمة السوداء مما يعني انقطاع العلاقة المصرفية مع عامة البلدان وهناك ما يقرب المايتان من الدول الأعضاء في إتفاقية FITF.أما الربع من تشرين الثاني فهو تاريخ بداية السلسلة الثانية من العقوبات الأميركية بما في ذلك العقوبات على النفط والبنوك التي سوف تعيد النظام إلى ما قبل الإتفاق النووي بالإضافة إلى عقوبات أخرى متصاعدة بوتيرة عاليةكل هذه التحديات الداخلية والخارجية المتعاظمة يوما بعد يوم خرجت عن إطار سيطرة النظام الإيراني وسحبت من بين أنامله أوراق لعبه المعتادة حتى بات أشبه بالبارجة من ورق، تسير بعيدا في غروب الشفق تراقصها الرياح، تتوه بها، على شفير الغرق.
بارجة من ورق
تسير بعيدا
في غروب الشفق
تراقصها الرياح
تتوه بها
على شفير الغرق
أعلامها سود
جماجم، عظام
في الرآية إلتصق
دربها أنفاق
يليه نفق
روادها ملو
أضرموا فيها
كي تحترق
لم يأبهوا تهديدا
ولا وعيدا
بل ساروا قدما
دون تردد ولا قلق
مدركين بعد حين
وقبل فوات الآوان
من باع ومن صدق
بارجة من ورق
تسير بعيدا
في غروب الشفق
تراقصها الرياح
تتوه بها
على شفير الغرق.


الدكتورة رندا ماروني