من يراجع خطاب الرئيس ميشال عون أمام الجالية اللبنانية في ستراسبورغ، وتبريره الأسباب التي أدت إلى إطالة الأزمة الحكومية إلى الآن، يستخلص بأن رئيس الجمهورية غير مستعجل لتأليف الحكومة ولا يعتبر ان الوضعين الاقتصادي والاجتماعي اللذين تمر بهما البلاد لا يتحمل أي تأجيل وإنما العكس هو الصحيح، أي البلاد بحاجة إلى حكومة أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، كما قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأكثر معرفة بأوضاع البلاد والمزالق التي تمر فيها، وهذا التقليل من خطورة البقاء من دون حكومة وفق ما أعلنه رئيس الجمهورية من شأنه أن يبشر بأن الأزمة ستطول وربما إلى ما بعد نهاية العام الحالي إذا لم يكن أطول من ذلك بكثير، بحيث يستعد اللبنانيون التواقون إلى أن يروا حكومة جديدة، تدير شؤونهم والتصدي لكل المشكلات العالقة من ركود اقتصادي مخيف إلى بطالة مستشرية بشكل لم يسبق له مثيل حتى في الدول الأكثر فقراً، إلى التزامات لبنان الدولية التي أصبحت في مهب الريح أو في خبر كان على حدّ تعبير أحد المهتمين بأمر تشكيل الحكومة.

لا نستطيع تحميل الرئيس المكلف مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة لأنه قام بما تمليه عليه مسؤوليته الوطنية وواجبه الدستوري بإعداد التشكيلة الحكومية ورفعها إلى رئيس الجمهورية مع التوصية بضرورة إصدار مرسوم تأليفها وطي هذا الملف الذي بات استمراره مفتوحاً يُهدّد البلد بعواقب وخيمة أقلها الإفلاس، إذا لم نقل الفوضى وما يستتبع الأمر من الوصول إلى حرب أهلية داخلية، وهو الآن ينتظر خطوة مماثلة من أب اللبنانيين كما يحب هو أن يُطلق عليه لإنقاذ البلاد من الأخطار التي تتهددها وإعطاء الضوء الأخضر للحكومة العتيدة لكي تتصدى للمشاكل العالقة من اقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى أمنية بدل من تبرير التأخير وعزوه إلى النظام الديمقراطي الذي حسب تعريفه لا يتحمل مسؤولية التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة، غير أن مثل هذا التأخير أمر مقبول ولا يُشكّل خطراً على الوضع العام في البلاد وبالتالي ما زال بالإمكان معالجته مع مرور الوقت.

فإلى متى ينتظر رئيس الجمهورية حتى يفرج عن الحكومة، هل ينتظر إلى أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، من دون أن يستثني أحداً وتضيع الفرصة التي ما زالت متاحة أمام العهد، وعندها لا يعود ينفع الندم، أم أن الوضع الخطير التي يعرفه رئيس الجمهورية أكثر من غيره يستدعي الإسراع في الإفراج عن مرسوم التأليف حتى يصبح للبنان حكومة قادرة على الاستجابة للمطالب الدولية، خصوصاً وأن الرئيس المكلف فعل ما يراه في مصلحة الجميع، وهذا أقصى ما يُمكن ان يقوم به بعد مشاوراته مع رئيس الجمهورية ومع فريقه النيابي، ومع كل الكتل والقوى السياسية المؤثرة على الساحة الداخلية، الا إذا كان هناك نية مبيتة لإطالة عمر الأزمة الحكومية إلى أن يحصل العهد على ما يريده، وما يريده وفق مندرجات الأمور هو حكومة يكون له فيها أكثرية الثلثين وما فوق لاعتقاده بأنها الحكومة الوحيدة القادرة على حماية العهد من جهة، وعلى توفير الفرص أمام رئيس التيار الوطني الحر لكسب معركة انتخابات رئاسة الجمهورية.