الحبيب الدكتور محمد آل عصفور، ما أنا إلا فقير على أبواب العلم، والمتسوِّل على باب محراب الشيخ
 

لقد سأل أحد العلماء الأعلام ولده وكان نجيباً ـ فطناً ثاقب النظر وحاد الفكرـ أي غاية تطلب في حياتك يا بُنيَّ ، وأي رجل من عظماء الرجال تُحب أن تكونه ؟. فأجابه: أحب أن أكون مثلك. فقال : ويحك يا بُنيَّ لقد صغُرت نفسك، وسقطت همتك، فلتبكِ على عقلك البواكي، لقد قدَّرتُ لنفسي يا بُنيَّ في مبدأ نشأتي أن أكون كعلي بن ابي طالب (ع)، فما زلتُ أجدُّ وأكدح حتى بلغتُ المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي (ع) ما تعلم من الشأن البعيد والمدى المستحيل، فهل يسرُّك وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين علي (ع)...؟                                                                                         

صديقي ـ من البحرين ـ نجيباً وفطناً وحاد الفكر وثاقب النظر، يُحسن مخارج الحروف والألفاظ، ويُتقن اللغة وعلم النحو، ويملك فصاحة وبلاغة وعروضاً،خلوق دمث،طيب المعدن والسريرة، لا يعرف حسداً ولا يملك حقداً، عهدته يناقش الأفكار ويبتعد عن الأشخاص، غنيٌّ بالنقاش، لكن تعالى يا صديقي لأريك شيئاً من نفسي المريضة، هكذا ظننت، وإن بعض الظن إثم...صديقي يعيش ذاكرته بذاكرة التاريخ، ويصف الأحداث والأشياء كأنها صنع يديه، يقرأ القرآن والأحاديث وكأنه أحد المبشرين الملهمين... الحبيب الدكتور محمد آل عصفور، ما أنا إلا فقير على أبواب العلم، والمتسوِّل على باب محراب الشيخ، أبيع حبراً وخربشات على طرقات الأوراق والدفاتر، لكن ذنبي الوحيد أنني فتحتُ دكاناً للعقل، بضاعته كاسدة فلا زبائن ولا متعلمين عاملين.. يا صديقي ما أنا إلاَّ العابر في الطرقات مثل الزواريب الضيقة، لا إسم لي ولا عنوان، مجرَّد أقدام تمشي ولا تدري إلى أين، وخيالي يرسم سرابه على رمال الجدران مثل نخيل الليل...  

إقرأ أيضًا: سخرتم عقولكم فسوَّقوا لكم الشعارات!

يا صديقي أنت لا تحتاج في بلوغك الغاية التي بلغها علماؤنا الأعلام، لكنك تحتاج إلى همتهم في النبوغ وفهم المعلوم..ويقولون إن المتعلم الذي يصبو إلى الغاية يطير بجناحين، جناح الهمة، وجناح الفهم في العلم، أما الأولى فهي لك، وأما الثانية سأقولها لك، قالها من قبل العلامة المنفلوطي: " العلم علمان، علمٌ محفوظ، وعلم مفهوم، فالأول يستوي صاحبه فيه مع الكتاب المرقوم، ولا فرق بين أن تسمع من الحافظ كلمة، أو تقرأ في الكتاب صفحة، فإن أشكل عليك شيء مما تسمع فانظر ، إن نطق الكتاب بشرح مشكلاته، نطق الحافظ بتفسير كلماته.. فالحافظ يحفظ ما يسمع، لأنه قوي الذاكرة ـ وقوة الذاكرة ـ قدرٌ مشترك بين الذكي والغبي، والنابه والأبله، لأن الحافظة مَلَكةٌ مستقلة بنفسها عن بقية المَلَكَات، وإنك لترى الشيخ الفاني الذي لا يميِّز بين الطفولة والهرم، والذي يبكي على الحلوى بكاء الطفل عليها ويرتعد فرقاً إذا سمع أبنته تخيف طفلها بأسماء الشياطين، يسرد لك من تواريخ شيبته وكهولته،ما لو دوَّنته لكان تاريخاً صحيحاً ضخماً مملوءاً بالغرائب والنوادر.." 

وأخيراً يا صديقي من إستقبل وجوه الآراء عَرِفَ مواقع الخطأ، ومن عرف مواقع الخطأ أمكنه أن ينفذ إلى الصواب... مع كل محبتي وتقديري لجنابكم الكريم قيل لأحد العلماء إن فلاناً حفظ متن أصول الكافي، فقال لقد زادت نسخة في البلد.... 

أخوكم المحب الشيخ عباس حايك