... ويبقى لبنان في غرفة العناية الفائقة تتقطّع أنفاسه تحت آلـة الإنعاش...

والشعب يموت مع وقف التنفيذ، يموت مرتين: مـرّة في الحياة ومـرّة عند الموت.

ومقابل أصوات الوجع واختناق الأنين في حناجر اليائسين، تتعالى الأصوات الهائجة صراخاً: بالروح.. بالدم نفديك يا...

هؤلاء القياصرة الذين يترنّـحون سكارى بالدم المسكوب في الميـدان الروماني، هم الذين نفتديهم بالروح والدم، ونفتدي عيالهم وأبناءهم وأحفادهم والذين ولدوا منهم والذين يولودون.

وهؤلاء الذين يرهنون أرواحهم والدم للقياصرة، هم ضحايا تلك «الثقافة» التي جعلت الذين يلـوِّثون أيديهم بالدم ينالون مراتب أكثر في السلطة، حتى أصبح نجاح تجربة تلوُّثِ الأيدي بالدم سبيلاً الى الطموح السياسي.

حيال هذه المخاطر الوطنية، وفي معزل عن الثرثرة، لم يعد أمام الأقلام إلاّ السؤال: هل بقي في هذا البلد الذي إسمه لبنان ما يـدلّ على دولة لها كيان عام، وعلى حكومة وسلطة وإدارة ودستور ومسؤولية وحكم ونظام...؟

وهل بقي هناك شأن عام ومصلحة عامة وخدمة عامة ومشروع عام، وحالةٌ نفسية أو إجتماعية أو حياتية، تعني أن هناك مجتمعاً منظماً في إطار هيكلية قانونية شرعية إسمها دولة...؟

ثمة سؤال استطرادي آخر نبوحُ به على سبيل الإفتراض، هل إذا طرحنا استفتاءً على المواطنين ما إذا كانوا يفضلون انتداباً أيّـاً كان هذا الإنتداب على ما يعانون اليوم، فماذا برأيكم يكون الجواب...؟

هذه الحالة السياسية الغامضة التي نعيشها اليوم تكاد تشبه ما جاء في سيرة يوحنا فم الذهب حيال حـبّ السلطة، حيث اختلطت السلطة الروحانية بالزمنية بالعسكرية ولم تعد تعرف أين القداسة وأين السياسة وأين معسكرات الجنود.. فيما يؤكد علم النفس أنَّ حـبّ السلطة مثلما يصنع القليل من الأبطال هكذا يصنع الكثير من المجانين.

ما يصحّ على سيرة يوحنا فـم الذهب يصحّ أيضاً على ما أفرزه قانون الإنتخابات من حالات غامضة وعاهات بهدف اقتناص السلطة، وقد مذهبوه ومذهبوا به أنفسهم ، ومذهبوا الناس والأرض والدولة والمؤسسات، حتى إذا ما تناولت زعيماً منهم بملامِـةِ أو نقْـد، فكأنك توجّه النقد للكنيسة أو للمسجد أو للخلوة.. وهل بهذا يبنون وطناً للأجيال أم وطناً للعيال...؟

يتعامون عن واقع متفجّر ومدمِّر، ويحدثونك عن عقدة مارونية- درزية، كأنما هم يستذكرون تلك العقـدة التي أدّت الى نظـام المتصرفية وبـروتوكول 1861...؟

أحد القناصل الأوروبيين كتب عن هذا البروتوكول فقال «إنـه وُضِـع من دون أن يكرّس انتصار فريق على فريق وَوَضع جانباً مطالب الدروز والموارنة...»

إذاً تشبّهوا، لعلّ حكومة تصريف الأعمال تقودنا الى نظام المتصرفية وبروتوكول 2018.

من الملفت، أنْ يكون واقع لبنان الغامض أشبه بما هو في العراق، هناك أيضاً حالَتْ خلافات الكتل دون تأليف حكومة جديدة، إلاّ أنّ المحتجيّن العراقيين في البصرة أضرموا النار في مكاتب الأحزاب وهتفوا ضـدّ التيارات الغريبة والسياسيين الفاسدين... ولست أدري ما إذا كان خراب «البصرة» في لبنان، يمكن إنقاذه من دون استقدام الترياق من العراق.