استثنائي وغير مسبوق في لهجته وعواقبه. هكذا يمكن وصف بيان البيت الأبيض ليل الثلاثاء (11 أيلول/سبتمبر) الذي يلوح بـ"محاسبة النظام في طهران" في حال قام مباشرة أو عبر "وكلائه في الساحة العراقية" بالقيام بأي هجوم يوقع أضرارا بشرية أو حتى مادية بمؤسسات الحكومة الأميركية في العراق.

لا يأتي تحذير إدارة ترامب، في بيان على الأرجح أشرف على صياغته مستشار الأمن القومي جون بولتون، من فراغ بل يصاحب موجة تصعيد إيرانية وأميركية في العراق قد تقود لمواجهة مباشرة بينهما. فإلى جانب لغة البيان الأميركي، هناك التطورات في الشمال العراقي، وأزمة الحكومة، والفصل الأخير من الحرب على تنظيم "داعش"، وكلها تزيد حدة التشنج بين واشنطن وطهران وقد تقود إلى تصادم بينهما في بلاد الرافدين.

يأتي التصعيد بين واشنطن وطهران في العراق بسبب تزايد الثقة الأميركية بأن بغداد باتت أكثر قدرة على التصدي للتدخل الإيراني

وبالنظر إلى البيان نفسه، يرد فيه تهديد مباشر لإيران جراء الاعتداءات المتزايدة للمنطقة الخضراء والقنصلية الأميركية في البصرة، جنوب العراق. يقول البيان إن "إيران لم تتحرك لوقف وكلائها في العراق ممن مولتهم ودربتهم وأرسلت لهم السلاح عن هذه الاعتداءات". هذه اللهجة غير المسبوقة من الولايات المتحدة ضد حلفاء إيران في العراق منذ الحرب في 2003، تطوي صفحة الحسابات الدقيقة وتفادي إغاظة الميليشيات الموالية لإيران خوفا من رد على القوات الأميركية.

هذه المرة، واشنطن هي من يهدد بـ"رد حاسم وسريع" في حال تم استهداف مصالحها، والرد قد يطال النظام في طهران، حسب البيت الأبيض، ما يرفع تكلفة الأخطاء والرهانات بين الجانبين.

كاد البيان أن يكون تهديدا محصورا بالتصعيد في المنطقة الخضراء لولا أنه يتقاطع مع مواجهة غير مباشرة أوسع تدور بين واشنطن وطهران في العراق. قبل البيان بـ 24 ساعة، اتصل نائب الرئيس الأميركي مايك بنس برئيس وزراء حكومة إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ليدين الهجمات الصاروخية الإيرانية على قرية "كويا" يوم السبت (8 سبتمبر/أيلول) والتي أوقعت حسب الحزب الكردي الديموقراطي 14 قتيلا ونحو 40 جريحا. جاء اتصال بنس ببارزاني على وقع إرسال إيران تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع كردستان وفي خطوة تحذيرية للأكراد.

التصعيد الإيراني ـ الأميركي في العراق، سواء في البيانات السياسية أو التوتر الأمني بشأن المنطقة الخضراء أو في كردستان، هو جزء من لعبة شد الحبال حول تأليف الحكومة العراقية. إذ لا تريد واشنطن رئيس حكومة عراقيا مواليا لإيران ولا تريد إيران رئيس حكومة مواليا لواشنطن. في هذه اللعبة، قد يحمل الأكراد الصوت الذهبي لترجيح الكفة في بغداد، ما يفسر الضغوط الإيرانية العسكرية. إلى جانب ذلك، فإن العلاقة بين بغداد وأربيل تحمل مفاتيح الاستقرار في المدى المنظور وهو ما تريد واشنطن إنجاحه.

هذه اللهجة غير مسبوقة من الولايات المتحدة ضد حلفاء إيران في العراق منذ الحرب في 2003

في الوقت عينه، يأتي التصعيد بين واشنطن وطهران في العراق بسبب تزايد الثقة الأميركية بأن بغداد باتت أكثر قدرة على التصدي للتدخل الإيراني، وأن هناك صحوة وطنية في العراق تتضح في تظاهرات البصرة ووعي وإدراك العراقيين بهدف تحسين وضعهم السيادي والاقتصادي. وهناك أيضا الانزعاج الإيراني من قرار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالالتزام بالعقوبات الأميركية. وإذا أضفنا كل ما سبق إلى واقع دخول العراق فعليا في مرحلة ما بعد تنظيم "داعش"، بتنا نرى استعدادا أميركيا لخوض ومواجهة تحديات أخرى في العراق بينها الميليشيات الموالية لطهران.

وهنا، تدرك إيران قلة حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عند اتخاذ القرارات وعدم استبعاد أي خيار في تعامله مع الحلفاء والخصوم على حد سواء. إذ استهدف النظام السوري بضربات عسكرية، وجلس مع كيم جونغ أون، فلا يمكن استبعاد فرضية قيام ترامب باستهداف إيران مباشرة في حال استهدفت الأميركيين في العراق.

هذه المعادلة، رغم غوغائيتها ساهمت في تعزيز الردع الأميركي لإيران، ومنع حصول اعتداءات أو عمليات خطف إيرانية ضد الأميركيين في مياه الخليج في السنة والنصف الأخيرة. فهل يصمد الردع في العراق؟ أم تشتعل ساحة المواجهة هناك بين واشنطن وطهران؟ تأتي مقدمة الإجابة في عملية تأليف الحكومة المقبلة.

 

جويس كرم