لم تكن المعركة التي اندلعت في 3 أيلول الحالي بعد بيان رئاسة الجمهورية رداً على «الصيغة المبدئية للحكومة» التي حملها الرئيس المُكلف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الأولى في حرب الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، ولا كانت الأخيرة الحاسمة للنزاع.
 

وفي حين حسم الحريري موقفه حول إصرار عون على «معاييره»، وأكّد أنه غيرُ معنيٍّ بهذه الحرب وأنه لا يشعر بتعدٍّ على صلاحياته، يرفض «حرّاس» الرئاسة الثالثة والطائفة السنّية و«اتفاق الطائف»، رمي أسلحتهم التي وإن كانوا يعلمون أن ما من داعٍ لاستخدامها، إلّا أنّ إشهارَها يفيدهم في معركة أخرى، إثباتاً للقوة وتذكيراً بالوجود.


على الجبهة الأخرى، يتسابق «الضنينون» على صلاحيات رئاسة الجمهورية على الرد بأسلحة من مواد دستورية ووقائع تاريخية، مذكِّرين بأنّ «كلّ الحق عالطائف»، وأنّ «الرئيس القوي» بطائفته يعيد الصلاحيات المُنتزعة في مرحلة ضُعف.


وفي ظلّ المواقف المتواصلة المُغلِّفة للبٍّ سياسي، ما هو دور رئيس الجمهورية في عملية تأليف الحكومة وفق «اتفاق الطائف»؟


يوضح الوزير والنائب السابق المرجع الدستوري إدمون رزق لـ«الجمهورية»، أنّ رئيس الحكومة المُكلف يقترح التشكيلة الوزارية، إنما الذي يرسم، أي يُصدر مرسومَ الحكومة ويُعيِّن الوزراء هو رئيس الجمهورية. ويشير إلى أنّ البرهان على ذلك، إصدار مرسومين في الوقت نفسه، الأول بتوقيع رئيس الجمهورية منفرداً ويقضي بتعيين رئيس الحكومة، يليه مرسوم تأليف الحكومة بناءً على اقتراح الرئيس المُكلّف، وبتوقيع مزدوج من رئيسي الجمهورية والحكومة.


لذلك، يتحتّم التعاون بينهما والمشاركة في التأليف، حسبما يشرح رزق، لأنّ أحدهما يقترح والآخر يرسم. ويؤكّد، أن ليس على رئيس الجمهورية أن يوافق على كلّ ما يقترحه الرئيس المُكلّف. ويحقّ لرئيس الجمهورية أن يبدي حتى عدم ثقته بوزير مُعيّن ويطالب باستبداله.


لكن، لماذا سمح الدستور بلعبة التعطيل، فلم يُحدّد مهلةً للتأليف وسمح لرئيس الجمهورية برفض التشكيلات بلا قيد؟ يجيب رزق: لـ«أننا افترضنا أنّ حسّ المسؤولية هو الذي يجب أن يضمن عدمَ تجاوز حدود الانتظار وحدود المطالب». ويضيف: «حين يكون هناك شخصان يريدان المصلحة العامة، لا يختلفان، ولكن حين يكون كلّ منهما يريد حصة ويريد أن يضمن حصة لثالث أو رابع، فبالتأكيد سينوجد الاختلاف».


لكن، عند تجاوز الحدود، ما هو دور المؤسّسات الدستورية؟


يوضح رزق، أن: «على رغم أنّ «اتفاق الطائف» وبالتالي الدستور، لم يحدّد مهلةً للتأليف، فإنّ للمرجع الذي رجّح التكليف بالاستشارات أن يعيد النظر في تكليفه، سواءٌ كان بناءً على تفاهم ودّي بين رئيس الجمهورية والرئيس المُكلّف، أو على رسالة يوجّهها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي أو على مبادرة يقوم بها المجلس بنفسه وإلّا ندخل مرحلة الاهتراء السياسي والفشل الوطني».


وما هي المبادرة التي يُمكن أن يتّخذها مجلس النواب؟ يجيب رزق: «يجتمع المجلس لأنه سيد نفسه، ويطرح الموضوع ويُصدر توصية».


وإن لم تكن العرقلة من الرئيس المُكلف، خصوصاً أنه مُقيّد بمطالب القوى السياسية وبرضا رئيس الجمهورية، يُمكنه أن يدعو إلى جلسة تشاور، وأن يُصارح الشعب، حسبما يرى رزق. ويُشدِّد، «على رئيس الجمهورية أيضاً أن يُصارح الناس ويُطلعهم على العُقد. وعلى مجلس النواب، كذلك، أن يضع يده على المشكلة، فللمجلس سلطة رقابية لا تتوقف عند عدم وجود حكومة، فالمُشترع الدستوري احتاط لحالات الفراغ السلطوي، وأقرّ اعتبار المجلس في دورة مفتوحة حُكماً عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة.


وعن معايير التشكيلة الوزارية، التي أشعلت معركة اجتهادات، يوضح رزق، أن «لا في الدستور ولا في وثيقة الوفاق توجد حصص محفوظة لأشخاص أو مقامات أو طوائف أو مذاهب، بل هناك وفاق وطني حول مُسلّمات، أولها سيادة الدولة بقواها الذاتية على كل أرضها، والمساواة المُطلقة بين جميع المواطنين، بلا تصنيف ولا تمايز ولا مفاضلة. واللعبة الديموقراطية على شراكة المسؤولية بمقدار التمثيل ولا مجال للإلغاء أو التهميش. والشراكة في وثيقة الوفاق وفي الدستور هي شراكة المسؤولية لا المحاصصة».


أمّا حلّ معضلة المطالب، فهو بالنسبة إلى رزق، تأليف حكومة أكثرية، لأنّ الإصرار على جمع كل الأفرقاء في حكومة واحدة ينتقص الديموقراطية لأنه يُلغي المعارضة ويقيم متاريس داخل مجلس الوزراء بين أفرقاء لا يوحّد بينهم إلّا هاجس السلطة، من دون مشروع مُشترك. ويقول، إنّ الحكومات الوفاقية الحقيقية هي التي تجتمع حول مشروع مُشترك الذي لا يُمكن أن يكون إلا وطنياً ولمصلحة الشعب، وليس حول مجرّد بيان وتركيب جُمل غير مفيدة.