جبهة جديدة فُتحت بين «التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». بعد معركة الانتخابات النيابية التي لم تنته مفاعيلها بعد، والنزاع المستمر على الاحجام الوزارية، ها هي الإدارة تتحول بدورها ساحة اشتباك إضافي بين الجانبين، أدّى حتى الآن الى سقوط 3 «ضحايا»: موظفة مسيحية تمّ «تحجيمها» في وزارة التربية، وموظفان درزيان تمّ الاستغناء عنهما في وزارة الزراعة ومؤسسة كهرباء لبنان. ولكن ما هي القصة الحقيقية لهذه المواجهة في قلب الادارة؟ والى أين من هنا؟
 

قبل أيام اتخذ وزير التربية مروان حمادة قراراً بإعفاء مديرة دائرة الامتحانات بالتكليف هيلدا خوري من مهماتها، وأعادها الى المركز السابق الذي كانت تشغله بالأصالة كرئيسة لدائرة الارشاد والتوجيه في الوزارة. غضب «التيار الوطني الحر» من تصرّف حمادة واضعاً إيّاه في اطار الكيدية، ثم ما لبث ان ردّ «الصاع صاعين» عبر إقصاء كل من رجا العلي عن مؤسسة كهرباء لبنان ونزار هاني عن وزارة الزراعة، وكلاهما ينتميان الى الطائفة الدرزية، ما دفع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى نشر تغريدة من العيار الثقيل واصفاً ممثلي «التيار» في الحكم بـ»العلوج».


والمفارقة، انّ شرارة المواجهة الجديدة بين «التيار» و»الاشتراكي» انطلقت هذه المرة من «بيت الوسط»، إذ تفيد المعلومات انّ الرئيس سعد الحريري هو الذي يقف وراء استبعاد هيلدا خوري عن رئاسة دائرة الامتحانات، على قاعدة انّ هذا الموقع يعود أساساً الى الطائفة السنية لكنّ وزير التربية السابق الياس بو صعب جَيّره لخوري بالتكليف على أيامه، وبالتالي يحقّ لتيار «المستقبل» الآن استعادته والتصرّف به. وانطلاقاً ممّا يعتبره «حقاً مكتسباً» له في تحديد هوية من يشغل هذا المركز، طلب الحريري من حمادة استبدال خوري بآمال شعبان، وهي قريبة مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان، فاستجاب حمادة وكان ما كان.


وقد جرت خلال الساعات الماضية اتصالات بين «الاشتراكي» والحريري، الذي يبدو انه أخذ على عاتقه محاولة معالجة المشكلة المستجدة وتطويق تداعياتها المتعددة الابعاد.

فصل موظفين «على الهوية»

ولعلّ الأخطر في هذه المبارزة الإضافية هو بروز ظاهرة الفصل من الادارة «على الهوية»، في محاكاة لمشهد الخطف على الهوية خلال الحرب اللبنانية المشؤومة، لكأنّ «حرب الجبل» عادت لتطلّ برأسها مجدداً، تارة عبر المعركة الانتخابية التي حصلت قبل أشهر، وطوراً عبر «محاور» الادارة التي تحوّلت ساحة لتصفية الحسابات السياسية والطائفية. انها سياسة الانتقام المتبادل على حساب موظفين يدفعون ثمن نزاعات الكبار، ويتم استخدامهم حطباً في موقدة لا تنطفئ.


ولا يُخفي أحد قياديي «الاشتراكي» قلقه من مسار الامور، منبّهاً الى انّ الاحتقان يتفاقم في اوساط الموحدين الدروز، نتيجة شعورهم بأنّ هناك استهدافاً لهم بأشكال مختلفة، ولافتاً الى انّ جنبلاط يبذل جهداً استثنائياً لضبط انفعالات مناصريه، «وإلّا لكانت ردود الفعل قد اتخذت منحى أكثر حدة».


ويحذّر هذا القيادي من انّ كل الانجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية على صعيد تثبيت العيش الواحد في الجبل باتت مهددة جدياً نتيجة سلوك «التيار الحر»، الذي «يحاول العبث بساحتنا وحقوقنا إمّا مباشرة وإمّا عبر حصان طروادة». ويضيف: «إنهم يلعبون بالنار ويتعاطون بخِفّة مع المصالحة التاريخية، في استعادة لنهج استبدادي واستئثاري جُرّب في السابق وأوصَل الى نتائج وخيمة، وكأنهم لم يتعلموا من دروس الماضي».


ويعتبر القيادي القريب من جنبلاط «انّ «التيار الوطني الحر» الذي لا يتجرّأ على رفع الصوت ضد «حزب الله» او نبيه بري او سعد الحريري، يفترض انّ وليد جنبلاط هو الحلقة الاضعف في المعادلة الداخلية وانّ في الامكان الاستقواء عليه، لكنهم مرة أخرى يخطئون في الحسابات، لأنّ عظمنا مر وقاس فلا يؤكل ولا يُكسر».


ويعتبر القيادي «الاشتراكي» انّ «سياسة التشَفّي التي يعتمدها «التيار» في الوزارات التي يشغلها لا تنفصل عن إصراره على تجميد نتائج امتحانات مجلس الخدمة المدنية بحجّة افتقارها الى التوازن الطائفي، في حين انّ اتفاق الطائف لا يشترط المناصفة في الفئتين الثالثة والرابعة المشمولة بتلك الامتحانات». ويختم المصدر متسائلاً: «الى أين يريدون ان يصلوا في مغامرتهم الجديدة؟ وأيّ كلفة ستترتب على لبنان بسببها؟