الكمّ الهائل من الكلام الطائفي الذي تفوّه به وزراء التيار لا يُمكن المرور عليه مرور الكرام ، وهو طعنة في ظهر العهد
 

 

 

كانت الصفقات والمحسوبيات والسرقات تجري في الماضي بطرق ملتوية كي لا تستفز الرأي العام اللبناني وللحفاظ على الحدّ الأدنى من إحترام عقل المواطنين وكراماتهم.

 

فجرت العادة أن  تحصل سرقات وتُوزّع الغنائم بين مكونات الطبقة السياسية التي تحكمت بالبلاد بعد إتفاق الطائف تحت عناوين المحاصصة الطائفية ، وهي مصطلح مخفّف لأحد أوجه الفساد المتعارف عليها في دول العالم .

 

لكن اليوم ، وخصوصاً بعد التسوية الرئاسية ، أصبحت الأمور أكثر وضوحاً بل أكثر وقاحةً .

 

منذ أيام قليلة ، قام وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة بإتخاذ قرار يُعفي فيه مديرة دائرة الإمتحانات بالتكليف هيلدا خوري من منصبها وأحالها إلى منصبها السابق كرئيسة دائرة الإرشاد والتوجيه .

 

هذه الخطوة إعتبرها التيار الوطني الحر تعدّي على حقوق المسيحيين ومحاربة لهم ، بل قرار من الحزب التقدمي الإشتراكي لإقصاء المسيحيين .

 

فردوا بإقصاء رجا العلي من مؤسسة الكهرباء ونزار هاني من وزارة الزراعة ، وهما من الطائفة الدرزية .

 

إقرأ أيضا : التأليف في إجازة والأزمة مستمرة !

 

 

أراد التيار الوطني الحر تحويل ما جرى إلى معركة دفاع عن المسيحيين ، رغم أن آمال شعبان التي عُيّنت بدل هيلدا خوري هي أيضاً مسيحية وتنتمي إلى طائفة الروم كاثوليك .

 

لكن بعُرف التيار ، فإن كل من لا يُواليه في السياسة هو خارج عن الدين المسيحي ربما ، وهذا ما أثبتته الوقائع ، إذ أن التيار يعتبر تعيين شعبان المقربة من تيار المستقبل تعدّي على حقوق المسيحيين رغم أنها مسيحية .

 

وهذا ليس جديد في خطابه ، فهو سبق أن نظّم حملات تخوين ضد المسيحيين المستقلين الذين يدورون في فلك تيار المستقبل ورفض الإعتراف بحيثيتهم ، وطالب بإسترداد المقاعد النيابية المسيحية ، والتي كانت جزء من عدة الشغل في معركة الإتفاق على قانون إنتخاب جديد في الأعوام الماضية .

 

ورغم طائفية الشعارات والمطالب التي يرفعها التيار ، يُصرّ من جهة أخرى على " أبوية " العهد و " وطنية " التيار ، وهي شعارات ثبت بطلانها في عدة وقائع .

 

فالشعار الأول سقط عندما طالب العهد بحصّة وزارية خاصة به ، والثاني ثبت بطلانه بالقرارات المتسرِّعة التي أخذها وزراء التيار كردّ على حمادة .

 

إقرأ أيضا : شيفرة العلاقة بين بري وجنبلاط العصيّة على الفكّ

 

 

هذا الأمر ، جعل زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط يغرّد غاضباً على حسابه في تويتر فكتب " اذ تغرق البلاد في السيول وانهار القمامة وتلوث الليطاني والعتمة تفاوض الحكومة أصحاب المولدات بدل تلزيم مصنع طاقة جديد.ولا فرق بين اصحاب المولدات واصحاب السفن التركية .وفي هذه الاثناء يقوم العلوج في شركة الكهرباء والبيئة بسياسة تطهير وانتقام .بئس الساعة التي اتت بهم للحكم .علوج".

 

والعلج هو الرجل الغليظ من كفار العجم كما يُعرَّف في القاموس العربي ، وهو لا شك توصيف قاسي من قبل جنبلاط .

 

وإن كان جنبلاط في الأخير هو زعيم طائفة يُطالب هو الآخر بحقوق طائفته ، إلاّ أن ما يختلف به عن التيار هو صراحته وبوحه بذلك ، على عكس التيار الذي يُمارس تصرفات طائفية ويضعها في سياق الوطنية .

 

لكن يبقى أن جنبلاط أصاب في توصيف واقع الدولة اللبنانية ، فما حصل في الوزارات هو بالحدّ الأدنى فضيحة ، يُثبت واقع الهريان في الدولة اللبنانية وحجم الإستخفاف بعقول اللبنانيين والوقاحة التي وصل إليها البعض من ساسة لبنان .

 

 

وعلى فخامة الرئيس ميشال عون أن يتحرّك ويتصرّف بأبوية ، ويُنهي هذه المهزلة ، فالكمّ الهائل من الكلام الطائفي الذي تفوّه به وزراء التيار لا يُمكن المرور عليه مرور الكرام ، وهو طعنة في ظهر العهد .