حبّ الحسين (ع) ليس حكرًا على الشيعة
 

بعد 10 أيّام يحلُّ علينا اليوم العاشر من شهر محرّم،  الذکری السنويّة لإستشهاد الإمام الحُسَين (ع) ، وتتلخّص الأسباب الظاهريّة لمقتل الإمام الحُسَين (ع) في مدينة کربلاء العراقيّة بجملة واحدة، هي رفضه مُبايعة "يزيد بن معاويّة"، لأنّه إعتبره غير مؤهّل لقيادة الأمّة.


وخلّدت هذه الذكرى المجيدة في نفوس الأُمَم لألاف السنين لما تتضمّنه من قيم الثورة والإصرار على المبادئ حتى الشهادة.

صحيح، أنّ تاريخ الإسلام مُكلّل بالدماء والفتوحات، إلّا أنّ هذه المحطّة كانت مفصليّة، فإستطاعت أن تبني فصلًا لها، فما قبل إستشهاد الحُسَين (ع) ليس كما بعده، وهُنا أودّ التشديد أنّ ذكرى عاشوراء ليست للطائفة الشيعيّة فقط إنّما للإنسانيّة والوجدان، لما تضمّنته من تداخلات بين الدين والسياسة، العقل والروح، الصراع بين الإستبداد بالحكم والظلم، لذا وصلنا إلى خلاصة وهي "إنتصار الدمّ على السيف والقوّة والتسلّط".


تطلّع الإمام الحُسَين(ع) إلى تجديد الإسلام من قلب الأمَّة، بحيث يكون الإسلام، سلوك الناس في البيت وفي العمل، خلال الحرب والسلم، وفي العلاقات العامّة والخاصّة، وفي قضايا الحكم وحركة القانون في الناس.


في أيامنا هذه، كم نحنُ بحاجة إلى رسالة الإمام الحُسَين(ع)، لأنّ الإنسان بفطرته هو ميّال إلى الإستبداد والإستئثار لاسيّما عندما يشعر بأنّه قويّ، ويقول ربّنا في کتابه الکريم:"إنّ الإنسان ليطغی ان رآه إستغنی".


يشُدّني قولًا للإمام الحُسَين(ع)، جاء فيه: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"، فهو لم يتحدث عن عائلة أو منطقة، إنما تحدَّث عن الأمَّة بأجمعها، لأنّه كان مسؤولًا عن أمّة بأكملها من خلال إمامته ومسؤوليّته.

 

إقرأ أيضًا: الطوفان يكشفُ غرق لبنان بالفساد!

 

ومن هنا، إنطلق حُبّ الحُسَين (ع) لأنّه لا يقتصر على الطائفة الشيعيّة، بل إنّه ينبض في قلب كلّ حرّ ومنصف في العالم من أيّ طائفة كانت والدليل على ذلك فإنّ "غاندي" والعديد من الزعماء لم ينتموا إلى الإسلام أو الشيعة، حينما اقتدى بعضهم ببطولة الإمام الحُسَين (ع) وجعل آخرون من ثورته على الباطل منارًا ونبراسًا لهم .


وقال غاندي:"إذا أرادت الهند أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالحُسَين، فقد علّمني الحُسَين كيف أكون مظلوماً، فأنتصر".


وكتب انطوان بارا في أحد كتبه عن "الحسين في الفكر المسيحي" و من هنا إنطلقت مقولته:"لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر ولدعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين".


لذا الإمام الحُسَين(ع) وضع الأسس الأولی لمبدأ الإنتفاضة الحضاريّة، وحرّيّة الإعتراض والإنتفاضة،ولو أخذت بعض البلدان هذا الجانب من دوره لتجاوزت الکثير من المُشکلات.


ليس الحُسَين (ع) إماماً للشيعة فقط، وليس إماماً للمسلمين وحدهم، أمّا ذكرى الحُسَين(ع) ليست يوم عاشوراء فقط، ولا في أرضِ كربلاء، إنّما الحُسَين (ع) رسالة خالدة للبشريّة كلّها.


وتأتي مُشاركة المسيحيّين في عاشوراء من منطلق التفاعل مع الفكر النهضوي للإمام الحُسَين (ع)، والإضاءة من منظور إنساني شمولي على الثورة الحسينيّة، وتأكيد واجب وجودها في كلّ زمان ومكان، حاضرةً في الثقافة المجتمعّية وفي الوجدان.