يدور لبنان في حلقة مفرغة، وهو لا يكاد ينام على أزمة حتى يصحو على أزمة جديدة، تزيد الأمور تعقيداً..
 

لم يعد جديداً القول، ان تعثر ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة، حكومة ما بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، مطلع ايار الماضي، هو نتيجة وسبب في آن.. وهناك من يقول ان عدم انجاز التأليف هو وليد الصراعات الداخلية على الحصص وتوزع الحقائب.. وهناك من يرى وجوب انتظار ما ستؤول اليه التطورات الاقليمية، وتحديداً في ادلب السورية التي أخذت بعداً دولياً بالغة الخطورة، كما وان هناك من يجمع بين الصراعات الدولية - الاقليمية وصراعات الداخل اللبناني كواحد من أبرز أسباب تعثر تشكيل الحكومة، المطلوبة من قبل مرجعيات داخلية - أقله في الكلام، الأمس قبل اليوم واليوم قبل الغد . ليس صحيحا توصيف الوضع المتعثر في تأليف الحكومة بأنه عودة الى المربع الأول. الصحيح ان المناخ السياسي بعد الانتخابات وتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة كان أفضل من المناخ الحالي. والصحيح أيضا ان الأزمات الاقتصادية والاجتماعية اليوم أشدّ حراجةً مما كانت عليه يوم صدور التكليف مع الآمال على مؤتمر سيدر حيث الوعود الدولية بالاستثمار واللبنانية باصلاحات اقتصادية ومالية. 

 

أزمة التأليف اليوم ليست أزمة جامدة بل متحرّكة. ولا الوقت المهدور في السجالات هو بمثابة وقت ضائع يمكن تعويضه بعد تأليف الحكومة.

 

إقرأ أيضا : من أين يأتي النائب فضل الله بشهادات الفقه والإجتهاد؟!

 

 

لأن أزمة التأليف ستنتقل من عملية التعثر الى عملية التعذر. وبهذه الحال ستعيدنا الى بعض من عصبيات ما قبل الطائف، وبعض من عصبيات ما بعد الطائف. فالتسوية السياسية مهتزّة. وأطرافها يعرفون ذلك والمشكلة ليست الخلافات السياسية فهي طبيعية في أي نظام ديمقراطي. وهي مظهر صحي حين تكون نوعا من التنافس على أفضل البرامج لخدمة الناس، وسلبية حين تصبح تعبيرا عن طموحات شخصية. المشكلة هي في التصرّف وكأن العمل السياسي هو مجرد اطلاق شعارات والركض في الصحراء من دون تحقيق أي شيء. وما نراه في أزمة الحكومة هو استمرار التصعيد والسقوف العالية، من دون أن تكون هناك جهة قادرة على مدّ السلالم للنزول عن الأسقف العالية. لا بل الصعود مع رفض الالتفات الى ما تحت على الأرض من قضايا اساسية للناس وتحديات كبيرة أمام البلد. كأننا في مسرح سياسي لا في بلد، وكأن كل ما على الممثلين هو الاستمرار في اداء أدوارهم، ولو انهار المسرح. ولا بأس في المفاخرة باعداد قانون انتخاب واجراء انتخابات نيابية بعد تسع سنوات من آخر انتخابات. لكن الواقع ان القانون الهجين أدى الى تزوير وتشويه النسبية بأسوأ صيغة لمفهوم النسبية. وهو فرض تحالفات هجينة ظهرت آثارها في أزمة التأليف. والواقع أيضا ان كل يوم يمرّ على الأزمة يزيد من خطواتنا على طريق الهاوية، على أمل ان توقفنا معجزة ما. 

 

والمفارقة ان الذين يمارسون لعبة التأزيم في خدمة أهداف مختلفة، يعرفون انه لا مفرّ من تسوية في بلد لا يُحكم إلاّ بالتسويات .