يستكثر الرئيس على مواطنيه فُسحة الاعتراض والأمل وتنفيس العُقد وتوجيه الاتهامات وبثّ النصائح، وكشف المستور وفضح المخازي، ويُعيب عليهم الابتعاد عن الشأن العام
 

بعد أن نال فخامة رئيس الجمهورية لقب الدكتوراة الفخرية من جامعة اللويزة، رأى أن يختبر مواهبه الأكاديمية، فأطلق تغريدة على تويتر (على العالم الافتراضي)، يُحذّر فيه من إدمان الشباب على العالم الافتراضي، والذي أوجد عزوفاً لدى الشباب عن "العالم الحقيقي وعن التعاطي بالشأن العام"، ليتدنّى بعد ذلك " مستوى الوعي السياسي والثقافة السياسية لدى قسمٍ كبيرٍ منهم"، ولينتقلوا بعد ذلك للخوض "بسجالات متعصبة فارغة، إلاّ من التّطرُّف والتحريض وبذاءة الكلام".

هكذا إذن، الشباب "اللبناني" أدمن الواقع الافتراضي، وابتعد عن التعاطي بالشأن العام، يستكثر الرئيس على مواطنيه فُسحة الاعتراض والأمل و"تنفيس العُقد" وتوجيه الاتهامات وبثّ النصائح، وكشف المستور وفضح المخازي، ويُعيب عليهم الابتعاد عن الشأن العام، ويُغفل فخامته أنّ من يجرؤ هذه الأيام ويتعاطى بالشأن العام، أو ينبري لفتح ملفّات الفساد والصفقات المشبوهة ونهب المال العام، والتي يُشتبه ببعضها وزير الخارجية (صهر الرئيس) ومساعده وزير الطاقة، يُواجه بالاستدعاءات الأمنية والقضائية، والتي يرفعها محامي الوزير على نفقة الوزارة، يستكثر فخامة الرئيس على المواطنين الذين لا يملكون إصدار صحيفة ورقية، أو فتح إذاعة مسموعة أو مرئية، أن ينفثوا ما في صدورهم من أسىً وألم، المواطنون يا فخامة الرئيس، لا يظهرون على شاشات التلفزة المحجوزة لمحترفي التّزوير والتّدليس وتبجيل الحكام وتغطية فسادهم ومخازيهم، وللمفارقة، كان يوجد على إحدى القنوات برنامج حواري عريق عنوانه: كلام الناس، ويديره إعلامي مُتحذلق، ومع ذلك لم يستقبل في تاريخه الطويل سوى ذوي القامات الرفيعة في الحكم والمجتمع وعالم المال والبورصات والشركات، مع ما يتطلب من نفاق وتملُّق وكذب وتزوير بعيداً عن الناس وكلامهم البسيط والواضح.

اقرا ايضا : جعجع في ذكرى شهداء القوات .. تحييد سيّد العهد والتّصويب على وليّه

 

فخامة الرئيس: عالمنا الواقعي الذي صنعتهُ سلطة فاسدة (وأنتم في صميمها) بات لا يُطاق، فلا يُلامُ المواطنون "العُزّل" والمسالمون أن يلجأوا لعالمهم "الافتراضي" علّه يُنصفهم وينقل معاناتهم وأحلامهم وأمانيّهم، إلاّ أنّ المؤسف حقاً، أن ترى فخامتك في الجهود والإبداعات والتعليقات والشروحات والأماني التي أنتجتها جموع المنخرطين في العالم الافتراضي بضعة "سجالات متعصّبة فارغة"، تتّسم بالتّطرُّف والتّحريض وبذاءة الكلام، تُهمٌ خطيرة كُنّا نتمنّى أن تربأ بنفسك عن توجيهها لمعظم مواطنيك، وأن تصرف بدل ذلك جُهداً مُضاعفاً مع الصهر العزيز علّه يتواضع ويُسهّل تأليف الحكومة العتيدة، لعلّ البلد يمشي رويداً، بعد جمودٍ طويلٍ و مريع.

كان الرئيس الراحل رفيق الحريري يقول عند تراكم الصعوبات والأزمات مُعزّياً المواطنين: البلد ماشي، أمّا اليوم يا فخامة الرئيس: ما في شي ماشي للأسف، لا العالم الافتراضي ولا العالم الواقعي، ولا العالم الذي يقع في منزلةٍ بين المنزلتين.