ولدتُ هناك، فكنت حسينياً في سلوكي وممارستي اليومية، تعبداً لله والناس،وهكذا فهمت الحسين (ع)
 

يُشنِّف أسماعنا مطربو المنبر العاشورائي بلحن الجنِّ من القول، وبقصصٍ قديمةٍ من صنع الوهم والخيال،وأخرى مستحدثة من صنع أبالسةٍ جددٍ ممن أتقنوا فنَّ اللعب بعواطف الجماهير الصاخبة والصارخة،ككل عامٍ وفي مناسبة الرمز الإسلامي الكبير إمامنا وشهيدنا وشهيد الأمة وحبيب الله ومحمد وعلي والحسن (ع) والسلف الصالح من أصحاب رسول الله (ص).. أغلق نوافذ بيتي، وشاشات التلفزة المفتوحة ليلَ نهارٍ على مجالس تُذكرُ فيها الفتنة ولا يُذكرُ فيها الله سبحانه وتعالى... 

أعود إلى علمائي الكبار، علماء المذهب والتشيع، إلى كتب محمد جواد مغنية، ومحمد مهدي شمس الدين، وآخرين ممن أحيوا مناسبة الحسين الشهيد (ع) بمدادٍ من ذهب، والتزموا بقضية الحسين (ع) من موقع الإنتماء إلى الأمة، وهنا أخص كتاب طه حسين، وعبدالله العلايلي، وآخرين من علماء أهل السنة، ممن اتحفوا وأدهشوا المكتبة الإسلامية بالثورة الحسينية المباركة، ولبُّوا نداء الحسين (ع) في العاشر من المحرم، فكانوا معه كما كان زهير وحبيب وجون والحر وغيرهم وغيرهم ولم يتركوه ولم يتخلوا عنه كما فعل الحواريون من أهل الكوفة، ولا أعتقد، وكلي ثقة، وبحسب معلوماتي، بأن هناك كتاباً شيعياً تناول الحسين (ع) وثورته، كما تناوله المفكر والأديب طه حسين  في كتابه "علي وبنوه" الذي إنحنى بقلمه وقامته أمام أهل البيت (ع) وضمَّخ ما كتب بدم الحسين في كربلاءـ سوى كتاب "الشهيد الخالد" الذي خرج عن المألوف ـ لآية الله نعمت الله صالحي نجف آبادي ـ وعادتي وأنا المنحاز دائماً ودوماً وأبداً وباستمرار إلى إمامي وسيدي الإمام الحسين الشهيد المظلوم (ع)، أخرج من كربلائهم، ومن منابرهم، ومن قصصهم، ومن فتنهم، ومن تجارتهم، ومن موائدهم، ومن شعاراتهم، ومن دكاكينهم. 

إقرأ أيضًا: شذِّبوا الطقوس إكرامًا لمكانة الحسين (ع)!

إلى كربلاء الحسين (ع)، إلى مدارس المنبر الحسيني كمدرسة الدكتور الوائلي، وغيره من نفس المدرسة، حيث الحقيقة الساطعة على رمضاءٍ لم تشهد هذا العويل المصطنع، ولا هذا التباكي المأجور، ولا هذا الإستغلال الرخيص، ولا هذه المسرحية التي تقدِّم الأنذال على الأبطال... 

ولدتُ هناك، فكنت حسينياً في سلوكي وممارستي اليومية، تعبداً لله والناس،وهكذا فهمت الحسين (ع)، عرفته كما عرَّف جده المصطفى (ص) عن نفسه: "ما أنا إلا ابن امرأةٍ كانت تمشي في الأسواق وتأكل القديد" وكان إذا أقبل عربي أو إعرابي على مجلسٍ فيسأل: أيكم محمد؟؟ فلا تاج ولا تيجان، فما عرفت الحسين (ع) إلا كما عرفت جده (ص) وأبيه (ع) يلبسون من الأثواب أخشنها، ومن المآكل أمرَّها، ولا يتأخرون عن فتحٍ أو عن ثغرٍ طالما لله فيه رضى...

ما يُضحك ويُبكي في آنٍ معاً، أنَّ الناعي للحسين (ع) بأغلبيتهم الساحقة، يملك أكثر مما يملك الحسين (ع)، ويعيش أفضل مما عاش الحسين (ع)، ولم يرمِ بحجرٍ أو بسهمٍ، والطامة الكبرى لطائفة ثكلى، أثكلها جهلها واتباعها الجهلاء وارتدادها عن العلماء ممن أثروا مناسبة الحسين (ع)، وهنا لا بد من أن نذكر طليعة هؤلاء الجهابذة الإمام السيد موسى الصدر،الذي قَدِم إلى لبنان كثائرٍ حسيني بوعي عقله ونظافة مسلكه وسيرته، فأنار ما أنار من دروب المحرومين، وكانت أفواج المقاومة أولى صيحات الحسين (ع) ضد العدو الإسرائيلي، وكان لقسمه وميثاقه وحركته شهادةً كبرى من شهادات الحسين (ع) عبر التاريخ...

والسلام على الحسين وأصحابه في كربلاء، والسلام على موسى الصدر ورفيقيه في غيابه....