معايير الحساب المجرّد لتشكيل الحكومة لا تتوافق مع اي فريق سياسي
 

توقفت «حرب الصلاحيات» حول تشكيل الحكومة بعد استنفار واستنفار متبادل بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، وقد عبّر الرئيس ميشال عون عن عدم وجود مشكلة صلاحيات اكثر من مرة، واخرها كلامه امس، في الطائرة التي اقلته الى ستراسبورغ، حيث اعتبر أنه «يتم حاليا التلهي بمسألة الصلاحيات لصرف الانظار عن المسألة الاساسية، وهي تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور ينص على الشراكة بين الرئاستين الاولى والثالثة في التأليف. فليفسروا لنا معنى هذا، إذ لا مجال للاجتهاد بوجود النص الدستوري».
 

كلام الرئيس عون حول الصلاحيات يعتبر بنظر المتابعين لموضوع تشكيل الحكومة من بدايته، مؤشراً لنية الرئيس على مواجهة الاتهامات له بعرقلة تشكيل الحكومة، لكنه لا زال يُصر على ما يصفه «الصيغة المتوازنة ليتم تشكيل الحكومة وفق المعايير والمبادئ التي حددها اكثر من مرة، بالاستناد الى نتائج الانتخابات النيابية وعدم تهميش اي طرف سياسي». وتشير مصادر مطلعة على موقف سيد القصر الجمهوري الى ان المعايير التي يطلبها تؤدي الى تشكيل حكومة وفاق وطني حقيقية عبر تمثيل القوى السياسية بحسب حجمها الحقيقي وبما لا يلغي نتائج الانتخابات، وبما يؤمن تكافؤ الفرص والمساواة بين مكوناتها.

وفي هذا المجال ثمة من يستشهد بكلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول الاحجام والحصص وضرورة التنازل من هنا وهناك، حيث اعتبر ان حصة حركة «امل» يجب ان تفوق الثلاثة وزراء لأن كتلتها النيابية زادت عما كانت عليه قبل انتخابات 6 ايار الماضي، فإذا خضع الجميع لمعايير حسابية مجردة دقيقة بالآلة الحاسبة ستختلف كل الصيغ الجاري التداول بها، إذ يجب ان يحصل تكتل الرئيس بري وتكتل «حزب الله» وحلفاؤهما الكثر- اذا استثنينا التيار الوطني الحر- على نحو 11 او 12 وزيراً تقريبا، فعدد نواب هذا الفريق مع المستقلين المؤيدين يبلغ 44 نائبا على الاقل، وعدد نواب «تكتل التيار الحر» مع تكتل «ضمانة الجبل» 25 نائبا، وهناك «كتلة الوسط المستقل» (نجيب ميقاتي 4 نواب)، وكتلة «الكتائب» من 3 نواب، وهناك اربعة نواب مستقلين لا ينتمون الى اي كتلة، بينما عدد تحالف نواب «كتلة المستقبل» 20 نائبا، وكتلة «القوات اللبنانية» مع ميشال معوض 16 نائبا، وكتلة اللقاء الديموقراطي تسعة نواب، فيبلغ المجموع 35 نائبا، لذلك لا تستوي المقارنة الحسابية المعتمدة من قبل هذا الفريق السياسي او ذاك في توزيع الحصص والحقائب مع المعيار الحسابي الدقيق لعدد نواب الكتل النيابية، إذ انها مختلفة تماما عما يتم تداوله، لكن جوهر الموضوع هو التمثيل الطائفي اكثر من السياسي وفق معيار المناصفة بغض النظر عن الموضوع العددي وطغيان عدد طائفة على عدد طائفة اخرى. 
 

ولكن المعايير التي يطالب بها «التيار الحر» والمعايير الحسابية الاخرى ربما لا تناسب الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي يرى ان التزام هذه المعايير حرفيا وعملياً ربما يخلق تكتلات كبرى داخل الحكومة قد تعطلها او تربك عملها او تجعلها مكانا للحروب السياسية بين المتخاصمين، عدا عن انها تخلق اثلاثا معطلة بدل الثلث المعطل الواحد. وهو الذي طالب علنا منذ يومين بحكومة «لا غالب ولا مغلوب».

وقد عبّرت اوساط في «كتلة المستقبل» النيابية عن هواجسها صراحة من توجهات «التيار الحر» بوصفها ما يطرحه من شروط ومعايير لتشكيل الحكومة بأنه محاولة الغاء للاخرين بكل معنى الكلمة، مشيرة الى أن مطلب «التيار» بأحد عشر وزيراً تعني انه وحده سيملك الثلث المعطل، وهذا لا يقبله الرئيس الحريري بأي شكل، إذ لا مجال لنيل طرف سياسي واحد من دون حلفائه الثلث المعطل.

وبعيدا عن الحسابات الدقيقة او غير الدقيقة لتوزيع الحصص والحقائب التي يقال انها تؤخر تشكيل الحكومة، ثمة من لا يتجاهل تأثير الوضع الاقليمي على لبنان، خلافا لما يتردد عن عدم وجود اسباب خارجية، فالصراع الاقليمي - الدولي في المنطقة يتجه الى مزيد من السخونة نتيجة عدم التوافق الروسي - الاميركي الاوروبي على الحلول لأزمات المنطقة، لا سيما في سوريا، وتجلى ذلك في الاصرار الروسي – السوري - الايراني على استعادة مناطق إدلب وريفها من سيطرة المسلحين سواء بمعركة عسكرية كبيرة او بالتفاوض السياسي مع الاميركي والتركي.

هذا اضافة الى ارتفاع حدة التوتر في العراق نتيجة الصراع بين المعسكر الاميركي وحلفائه وبين ايران وحلفائها على الامساك بالوضع العراقي، وهو الذي يعتبر امتدادا للوضع السوري، مع الاخذ بالاعتبار ان العراق هو جار ايران الحدودي ايضا، وهو معبرها الى سوريا ولبنان. من هنا لا يغيب الدور الاسرائيلي في هذا الصراع، الى جانب الدور التركي، مع الاخذ بالاعتبار ايضاً ان تركيا هي جارة لسوريا والعراق وايران، ولها مصالح كبيرة في هذا المثلث الاستراتيجي المهم.

لذلك ظهر من يربط مثلا تعثر تشكيل الحكومة بطلب بعض الاطراف المعروفة باستعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا، وهو امر بات موضع خلاف قبل تشكيل الحكومة، فكيف الحال بعد تشكيلها، وكيف سيتم تجاوز الخلاف حول المواضيع الاستراتيجية الكبرى لاحقا بعد تشكيل الحكومة، ومنها مواضيع خلافية تم تجاوزها بتوافق نظري حول «النأي بالنفس» في الحكومات السابقة، وهو لم يترجم عملياً بشكل دقيق نظرا لطبيعة علاقات الاطراف المحلية بالمحاور الاقليمية المتصارعة. 

من هنا تبرز دعوة «حزب الله» عبر مصادره النيابية للتفاهم بين الاطراف السياسية والتقليل من تأثير العامل الخارجي، لأنه اكثر العارفين بمدى انعكاسه السلبي على لبنان، لذلك طالب بتفاهم داخلي يوقف السجالات ويُسهّل تشكيل الحكومة لتكون منتجة وتهتم بأوضاع الناس.