مرر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري موقفاً لافتاً مساء الجمعة. أصر على تمسّكه بالدستور ومعرفته بما ينصّ وبأنه يلتزم به. وذهب بعيداً في الردّ على الابتزاز الذي يتعرّض له، إذ قال إن الطريق الدستورية الواضحة لاسقاط التكليف هي مجلس النواب بحجب الثقة عن الحكومة. أراد الحريري الردّ على من يطالب بأن تخرج الحكومة من وحي نتائج الانتخابات النيابية ولا تخرج عنها. واعتبر أن أي حكومة تتشكل يجب أن تحصل على ثقة مجلس النواب. بالتالي، فليوافقوا على الصيغة التي يقدّمها ومن ثم يذهب بها إلى مجلس النواب لنيل الثقة. فإذا ما نالت الثقة تكون منسجمة مع نتائج الانتخابات. أما في حال عدم نيلها، فيعني أن الأكثرية النيابية لم توافق عليها وهكذا يسقط التكليف.

لا سبب واضحاً لاتخاذ الحريري هذا الموقف البعيد، قد يكون أراد الردّ على كل من يحاول ابتزازه بطرح اسقاط التكليف أو بتوجيه رسائل إلى مجلس النواب تدعو إلى سحب التكليف منه. لكن، بلا شك، فإن لهذه العبارة معاني أبعد من مجرّد هذه التفاصيل. يعتب الحريري على طريقة تعامل رئيس الجمهورية ميشال عون مع الصيغة التي قدّمها أخيراً. ويعتبر أنه كان من المفترض أن يناقشه وجهاً لوجه بالملاحظات على التشكيلة التي تم تقديمها، لا أن يلجأ إلى الإشارة إلى الملاحظات عبر الإعلام والتسريبات، لأن هذا يدلّ على أن لا جدية في المناقشة.

في تعدد القراءات لموقف الحريري اللافت، هناك من يعتبر أنه أراد رمي الكرة في ملعب الفريق الآخر عن طريق استفزازه. مع الاشارة إلى أن الحريري يعلم أن أي خطوة من هذا النوع قد تؤدي إلى أزمة سياسية كبيرة في البلد، تعيده إلى أيام الإنقسام العمودي، سياسياً وطائفياً ومذهبياً. وهذا خطر لا يمكن الاقتراب منه في هذه المرحلة المشتعلة التي تمرّ بها المنطقة. بالتالي، فإن الحريري لجأ إلى هذا الموقف لعلمه أن أحداً لن يجرؤ على اتخاذه، وربما للاشارة إلى أنه سيبقى مصراً على موقفه ولن يتنازل أو يتراجع.

اسقاط الحكومة في مجلس النواب، يعني بشكل لا لبس فيه اسقاط التسوية، بينما الحريري يعلم أنه حاجة لرئيس الجمهورية وحزب الله، وأن لا بديل منه لهذه المرحلة، خصوصاً أنه يوفر ضمانة للاستقرار وللوضع السياسي. وأي خيار إنقلابي عليه سيؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي والدولي تجاه لبنان. والحريري يعلم أن عون وحزب الله يتمسكان بالتسوية وغير مستعدين للاطاحة بها.

وعلى هامش المساعي المستمرة لتشكيل الحكومة، تكشف مصادر متابعة لـ"المدن" عن لقاء عقد بين قيادي بارز في تيار المستقبل له موقعه في الصف الأول، مع بعض الكوادر القريبة من حزب الله أو المحسوبة عليه. هذا اللقاء حصل قبل نحو أسبوع. وقد جرى خلاله نقاش في مختلف التطورات في لبنان والمنطقة، وكان اتفاق بين الطرفين على وجوب الحفاظ على التسوية، وعدم تشريع أبواب الداخل لرياح الخارج. وخلاصة اللقاء تجلّت في ضرورة الإعداد لاعادة الحوار الثنائي بين المستقبل والحزب في المرحلة المقبلة.

أما في العناوين السياسية، فقد جرى البحث في ما يعرقل عملية تشكيل الحكومة. واعتبر الطرفان أنه لا بد من تقديم تنازلات من قبل كل القوى للوصول إلى حكومة جامعة تتجاوز الانقسامات ولا تتأثر بما يجري خارجياً. كذلك حصل توافق بشأن سحب مسألة التطبيع مع النظام السوري من التداول، إذ اعتبر القيادي المستقبلي أن تيار المستقبل غير قادر على الذهاب في اتجاه تطبيع العلاقات، ولكن هناك تواصلاً بين الدولة اللبنانية والنظام السوري سواء أكان عبر سفارتي البلدين أم عبر بعض القنوات كاللواء عباس إبراهيم. بالتالي، لا حاجة لأن يفتح الحريري طريقه إلى دمشق في هذه المرحلة.

كذلك، كان التوافق على تخطّي مسألة المحكمة الدولية وما قد يخرج عنها، وعدم إدخالها في الحسابات السياسية اللبنانية، لا سيما أن الحريري يوم انطلقت جلسات المحاكمة خرج من المحكمة وأعلن مدّ يده إلى كل القوى، لا سيما أن المحكمة تحاكم أفراداً لا جهات. وهو قد تجاوز ذلك يوم دخل في حكومة واحدة مع حزب الله. بالتالي، فإن أي تطور في لبنان لن يكون مرتبطاً بما سيخرج عن المحكمة.