بعدما حملوا الطبشورة أكثر من 40 عاماً وتنقّلوا بين الصفوف يدرّسون،وجد الاساتذة المتقاعدون أنفسهم أمس مُجبرين على النزول إلى الشارع تحت وطأة الشمس ورفع اليافطات ضد المسؤولين الذين «سَرقولنا جيوبنا»، على حدّ توصيفهم. «أوقفوا الهدر وحاكموا الفاسدين»، «من يأكل حق المعلّم كمَن يأكل حق اليتامى»، «الكذب ملح المسؤولين». تعددت شعاراتهم امّا المطلب فواحد، أن تعيد وزارة المال النظر في آلية احتساب الزيادة التي منحتها السلسلة على معاشات المتقاعدين بقيمة 85 في المئة مقسّمة على 3 دفعات.
 

الجسم التربوي يغلي. يواصل قطار الاعتصامات والتحركات التربوية سيره من دون هوادة، فقد نفذّت أمس روابط الاساتذة المتقاعدين في الثانوي والاساسي في التعليم الرسمي اعتصاماً في ساحة رياض الصلح بعدما أتت الدفعة الثانية من الزيادة التي وعدوا بها بحسب القانون 46 أقل من الدفعة الأولى، وقد قسمت الزيادة على 3 مراحل: 25% من المعاش التقاعدي كدفعة اولى كانت عند تنفيذ القانون، في 1 ايلول 2017. على ان تدفع دفعة ثانية مماثلة للاولى 25% من معاش المتقاعد في مطلع أيلول الجاري، وفي سنة 2019 يدفع الباقي. وقد كانت صدمة المتقاعدين أنّ الدفعة الثانية أتت أقل من الاولى، ما اعتبروه جريمة بحقهم وانتقاصاً من حقوقهم واستخفافاً بعقولهم.

«قلوب مليانة»

«دَفَنّا صحتنا بالتعليم»، يقول الاستاذ ألبير لـ»الجمهورية» وهو يسير بخطوات بطيئة. يصمت بعدما خنقت الغصّة صوته، ثم يُتمتم «الدولة ما كَرّمتنا لا نحنا وشباب ولا بَس أكلنا الشيب».


أمّا رحاب، وهي مدرّسة لأكثر من 35 سنة، فأتت بيد تحمل عصا تتَعكّز عليها، وبالأخرى يافطة دوّن عليها «الكذب ملح المسؤولين»، وأعربت لـ»الجمهورية» عن سخطها، قائلة: «لسنا هواة اعتصامات ولا عمرنا يسمح لنا بالنزول إلى الشارع والوقوف طويلاً، لكنّ المساس بحقوقنا يعني المساس بكراماتنا، ويعزّ علينا أن يُحاول المعنيون الاستخفاف بعقولنا والتراجع عمّا أقرّه لنا القانون 46».


«قلوب مليانة»، كلمتان تختصر واقع حال المعتصمين، الذين أشعلهم بيان وزير المال علي حسن خليل الذي أرسله الى دائرة الصرفيات بكيفية احتساب الزيادة للمتقاعدين وقد تعارض مع مضمون المادة 18 من القانون 46، وأدى إلى أن تأتي الدفعة الثانية التي انتظروها سنة أقل من الدفعة الاولى. وأكّد المعتصمون أنّ «بيان وزير ما بيلغي قانون».

إنتظرنا «ع الفاضي»

من جهته، توجّه رئيس رابطة المتقاعدين في التعليم الاساسي الرسمي غطاس المدور الى الوزير حسن خليل بالقول: «لماذا أعطيتم غيرنا من الإداريين - الفئة الاولى بين 120 و150%، لماذا هناك متقاعدون قبضوا الدفعة الثانية 25% بشكلها الصحيح، ونحن لا؟».


أمّا رئيس رابطة المعلمين في التعليم الاساسي الرسمي بهاء تدمر، فقال: «يوم أقرّو السلسلة قبَيل الانتخابات تسابقوا على اعتبارها الإنجاز الأعظم طلباً لرفع عدد الأصوات في الصناديق». ولفت إلى انّ ما زاد الطين بلة «انّ المادة 18 حددت 85% من المعاش التقاعدي، ولم تذكر الراتب الموازي للموظف الذي لا يزال في الخدمة. فعند الاداريين اعتبرت الدرجات في أصل الراتب، وعند المعلمين والأساتذة اعتبرت استثنائية».


كما أعلن حسن اسماعيل، باسم المتقاعدين في الجامعة اللبنانية، عن تضامن الجامعة مع المتقاعدين في التعليم الرسمي.

هل ندموا على السلسلة؟

«لماذا لم تُدفع الزيادة كاملة؟ سؤال طرحه رئيس رابطة الاساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي الرسمي عصام عزام قائلاً: «لو كانت هذه الزيادة كما يوضحون حالياً، كان من المفروض ان تدفع كاملة مباشرة مع بدء تنفيذ القانون 46». وسأل: «هل ندموا على ما أعطونا، فيما يحاولون استرجاع ما يمكنهم استرجاعه؟».


وناشد عزام الرؤساء الثلاثة ونواب الأمة و الوزراء التدخّل السريع لوقف هذه المهزلة والمجزرة بحق المتقاعدين».

إلى التصعيد درّ؟

في وقت يعتبر البعض أنّ الاستاذ المتقاعد قد لا يؤثر في العملية التربوية لأنه لم يعد يدخل إلى الصف، يؤكّد عزام في حديث لـ»الجمهورية»: «ان لا مفرّ من التصعيد، وانهم سيلجأون إلى الوسائل القانونية للدفاع عن حقهم، واللجوء إلى مجلس شورى الدولة»، مؤكداً «انّ المعاشات التقاعدية ليست مِنّة من أحد، فهي محسومات من رواتبنا الشهرية اثناء الخدمة الفعلية». ولدى سؤالنا ما الذي قد يردعهم عن تحركهم؟ يجيب: «فقط إذ اعتبرنا انّ البيان المُرسَل إلى دائرة الصرفيات كأنه غير قائم».