تسلّح وزير الأشغال يوسف فنيانوس بما يكفي من ضبط الأعصاب في الأسابيع الماضية لعدم الانزلاق الى مواجهة سياسية، بالمباشر، مع قيادات «التيار الوطني الحر» وجيشه «الإلكتروني» و«المنظّرين» بإسم العهد. إستهداف فنيانوس خطة «باسيليّة» لسحب حقيبة الأشغال من يد تيّار «المرده» وإخراجه من الحكومة.
 

يقدّم العونيون مضبطة اتّهام وزارية كاملة بحق وزير الأشغال «الشرس» الذي اختاره رئيسُ «المردة» سليمان فرنجية، بدفع كامل من «حزب الله»، ليمثّله في الحكومة. وعلى أساس هذه المضبطة، و»غسيلها المنشور» على مواقع التواصل الاجتماعي، يحاول الوزير جبران باسيل فرضَ انتقال الحقيبة سوبر الخدماتية الى كتلته.


لا يخفي باسيل في مجالسه الخاصة والعامة رغبته بوضع يد فريقه السياسي على «الأشغال» لاعتبارين أساسيّين هما: حجم «المردة» النيابي الذي لا يتيح له الحصول على حقيية بهذا الوزن الخدماتي، وثانياً وضعه فيتو على فنيانوس نفسه واقتناعه بأنّ الأخير لم يقدّم أداءً وزارياً «يشرّع» استمرارَه في موقعه، آخذا عليه «عدم تقديم خطط للنقل البري والبحري والجوي وخطة للنقل المشترك وسكك الحديد... كما فعل «التيّار الوطني الحر» في وزارة الطاقة»، فضلاً عن أسلوبه «الفجّ» في جولات الكباش مع الوزراء «العونيين» في مجلس الوزراء.


وهو كلام قاله باسيل صراحة للرئيس سعد الحريري الذي تربطه علاقة توصف بـ «الممتازة» مع الوزير فنيانوس ولا يبدي ممانعةً ببقاء «الأشغال» بيد «المردة»، تماماً كـ «حزب الله» والرئيس نبيه بري.


كان يمكن للمفاوضات حول حقيبة الأشغال أن تأخذ مسارَها الطبيعي، خصوصاً أنها عنوانُ جذب و»إغراء» للقوى السياسية كافة، لكنّ الحملة المكشوفة لـ «التيار الوطني الحر» على الوزير فنيانوس كشفت جزءاً من أسلوب إدارة التفاوض على «أم» الحقائب الخدماتية، ومع ذلك تمسّك فنيانوس في مؤتمره الصحافي الأخير في 30 آب، الذي خصّصه للردّ على الاتّهامات التي طالته بشأن فوضى وزحمة المطار (قبل حادثة تعطّل السيستم الإلكتروني لشركة «سيتا») «على أخذ الأمور بنيّة حسنة، إنما عندما أشعر أنّ هناك استهدافاً لي بتشكيل الحكومة أو بشأن إعطاء «المردة» هذه الحقيبة أو غيرها من الحقائب سوف يكون لي ردٌّ آخر».


سيختار فنيانوس، كما قال، التوقيت الملائم للردّ «أو مَن يستحقّ الردّ عليه». لكن فعليّاً سوءُ النّية بحق فرنجية ووزير الأشغال أمر مسلّم به في حسابات «المردة»، ومنذ وقت طويل، بتأكيد أوساطه، مع العلم أنّ فنيانوس لم يكن يردّ طلباً آتياً من القصر الجمهوري.


صارت أيُّ حفرة على أوتوستراد، أو رائحة حمامات مطار بيروت، أو «شتوة» على غفلة، أو مشهد «كبيس» المسافرين دخولاً وخروجاً من مطار بيروت أو جرارت حقائب معطّلة بفعل لمسات «فوتوشوب»... عناوين لـ «تكفير» وزير تمهيداً لتطييره و»تشليح» فريقه السياسي حقيبة الأشغال!


ما فعله فنينانوس، حتى الآن، وبأعصاب من ثلج، الردّ على كل الاتّهامات والادّعاءات بالوقائع والأرقام وبإعلان صريح عن قبوله المثول أمام القضاء «إذا ثبتت مسؤوليتي في أيِّ ملف»، وصولاً الى مراسلته النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم إثر طلب وزير العدل سليم جريصاتي من النيابة العامة التمييزية تحريك الدعوى العامة بشأن «صفقات مشبوهة» في مطار بيروت، طالباً منه إجراءَ المقتضى.


وقد دخل الوزير جريصاتي طرفاً أساسياً في الحرب العونية المعلنة على فنيانوس مؤكّداً أنه «لا يمكن لمَن يُساءَل إدارياً وقضائياً في المطار أن يوكل اليه، قبل انتهاء التحقيق الإداري والقضائي، صَرف 88 مليون دولار أميركي لتمييع المسؤوليات واستباق التحقيق»، مع العلم أنّ جريصاتي يعلم أنّ دولاراً واحداً من هذا المبلغ لم يُصرف بعد لمصلحة المطار!


على دفعات فُتحت أبوابُ الاتّهامات بالتقصير بوجه فنيانوس. الفوضى العارمة وأيام «الحشر» في مطار بيروت زادت الطين بلة، وصولاً الى فتح ملف التجهيزات الأمنية في المطار ثم تعطّل الشبكة الحاسوبية لشركة «سيتا» الذي جمّد حركة المغادرة لساعات وفرض فتح تحقيق فوري بالحادث.


العطل تتحمّل مسؤوليته الشركة التي تتعامل مع عدد كبير من مطارات العالم، أما «كوارث» المطار المتلاحقة، وبينها تعطّل حزام تسليم الحقائب وتوقّف نظام التبريد على سبيل المثال، فمسؤوليتها تقع على الحكومات المتعاقبة وحجب الاعتمادات عن «التصليحات» الملحّة في المطار.


منذ العام الفائت أطلق فنيانوس تحذيراتٍ علنيّة من إمكانية وصول مطار بيروت الى مصاف «الفاجعة»، خصوصاً مع تأكيده أنه منذ العام 1997، تاريخ إنشاء المطار، لم يجرِ تحويل مبالغ من عائدات المطار من أجل تحديثه (من بوابات الدخول والخروج وجرارات الحقائب ونظام التهوئة وصولاً إلى زيادة عدد الحمامات وصيانتها...) وتوسعة منشآته وفي ظلّ شغور يلامس الـ 70% في المديرية العامة للطيران المدني.


حال الطوارئ تستدعي، وفق فنيانوس، صرف 89 مليون دولار فوراً للمطار وافق مجلسُ الوزراء فقط على 18 مليوناً ووقّع مرسومها لكنها لم تُصرف بانتظار ولادة الحكومة الجديدة، أما مشروع التوسعة فيحتاج الى نحو 100 مليون دولار!


الرئيس المكلّف سعد الحريري الذي وَقَع بنفسه ضحية تأخير موعد إقلاع الطائرات لم يتبنَّ خطابَ «شيطنة» فنيانوس.


وكونه المدرك الأول لحساسية النزاع على الحقائب بين القوى المسيحية تحديداً نُقل عنه أخيراً انزعاجَه من ربط باسيل ولادة الحكومة، من ضمن سلّة شروطه، بعدم تجيير حقيبة «الأشغال» لـ «المردة»، وتحديداً عدم بقائها بيد فنيانوس. أما حين «ينكّت» الحريري في عزّ أزمة تأليف حكومته الثالثة فهو لا يتوانى عن إبلاغ الوزير ملحم الرياشي «بأنّ جبران مش طايقكم بالحكومة حتى مع أريع وزارت دولة»!


الحملة المفتوحة على وزير الأشغال، برأي متابعين، طالت أكثر من ملف وصولاً الى ملف الحوض الرابع الذي يبدو أنه طوي مجدداً مع ارتفاع أصوات بكركي والأحزاب المسيحية الرافضة لردمه، فيما عرض فنيانوس للملف أتى من ضمن المخطّط التوجيهي لمرفأ بيروت.


في ملف التجهيزات الأمنية كان يصعب التصويبُ على فنيانوس بما أنه، وبعيد تعيينه وزيراً للاشغال، أعاد التلزيمات الأمنية الى إدارة المناقصات ولم يلتزم إلّا بما تَوافَق عليه الوزراء في الحكومة.


بقرار من مجلس الوزراء تألّفت لجنة فنّية مختصة لدراسة الشروط الفنّية للتلزيمات. لاحقاً برّأ مجلس الوزراء في تشرين الاول الماضي فنيانوس من أيّ اتّهاماتٍ مسبَقة بتنفيع شركة «مجموعة الحمرا»، التي رسا عليها العرض كعارض وحيد، بعدما وافق، بناءً على توصيات اللجنة الفنّية، على التلزيم عبر اتّفاق رضائي بشأن جهاز كشف ومسح السيارات والآليات بالأشعة السينية، إضافة الى موافقته أيضاً على تلزيم «مجموعة الحمرا» رضائياً حاويات عزل المتفجرات، كما عمد الى تعديل دفاتر شروط مناقصات لتلزيمات أخرى عادت واستفادت منها شركة «الحمرا».


«الجبهة» المفتوحة على وزير الأشغال لا تزال تقتصر على ردود من مؤيّدي «المردة» على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن تترجَم فتحاً للنار السياسية من جانب بنشعي.


رئيس «تيار المرده» يتعاطى مع «الأشغال» بوصفها حصة «بحماية» حليفيه «حزب الله» والرئيس نبيه بري، فيما يُعتبر فنيانوس أحد اكثر الوزراء اطّلاعاً على ما يدور في كواليس تأليف الحكومة، وفي الوقت نفسه الأكثر زهداً بالتوزير والحقائب.


مَن يعرف فنيانوس عن كثب ومَن واكب زيارته الأخيرة الى سوريا يعلم حجم الأدوار غير المرئيّة التي يلعبها الرجل والتي تبدو الحقيبة الوزارية مجرد تفصيل ثانوي أمامها. مع ذلك، المعركة على «الأشغال» التي فتحها باسيل دفعت بنشعي الى الاستنفار الصامت الذي لن ينتهي إلّا بعد صدور مرسوم تشكيل الحكومة والحقيبة الخدماتية محفوظة لـ «البيك»!