هناك مجموعة من التحديات تواجه الوضعين المالي والاقتصادي في المرحلة المقبلة، وكلما اقترب موعد سداد استحقاقات 2019، كلما زاد منسوب القلق لدى من يحاول أن يدعم صمود المالية العامة في انتظار الفرج.
 

لا تنقص الوضع المالي في لبنان سوى عوامل سلبية اضافية لكي تصبح الضغوطات مضاعفة. في الاأساس، يكفي السلوك السياسي الداخلي لوحده لضرب الاقتصاد ودفعه الى التقهقر. لكن عوامل مستجدة دخلت على الخط في الفترة الأخيرة، وزادت الامر سوءاً، وباتت التحديات أصعب وأدقّ وأخطر.


بما ان التحدي الاول في الوضع الاقتصادي بات محصورا في القدرة على إطالة فترة الصمود، على امل أن يتغيّر المشهد، وتبدأ مرحلة جديدة مختلفة، هناك مجموعة تطورات باتت تداعياتها واضحة في هذه المرحلة، من أهمها:

اولا: أزمة تشكيل الحكومة، المستمرة منذ اربعة اشهر، وهي مفتوحة على عمر مديد، كما تدل المؤشرات حتى الان.

ثانيا: ارتفاع اسعار النفط عالميا، وظهور بوادر تصعيد في الصراعات الدولية-الاقليمية، بما يعني أن الاسعار لن تنخفض مجددا، وقد ترتفع أكثر في المرحلة المقبلة.

ثالثا: أزمة الاسواق الناشئة في العالم، والتي تتوضّح خطوطها يوما بعد يوم، وهي مرشحة للمزيد من التعقيدات. وهذا يعني ان حركة الاموال في العالم سوف تتجنّب هذه الاسواق، ولبنان من ضمنها طبعا.

رابعا: استمرار نهج رفع اسعار الفوائد على الدولار وفق سياسة الفدرالي الأميركي، بالاضافة الى استمرار ارتفاع اسعار الدولار في اسواق العملات. هذان الامران يشكلان عامل ضغط اضافيا على المالية العامة في لبنان، خصوصا لجهة الدين العام، والانفاق الروتيني للدولة على اعتبار ان الليرة مُسعّرة وثابتة حيال الدولار.

خامسا: ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة على خلفية زيادة الضغط الاميركي على ايران، واستمرار المواجهات بأنواعها كافة على الجبهة السعودية-الايرانية.

سادسا: ظهور منافسين اقليميين للبنان في عملية جذب الرساميل الى المصارف. ورغم ان هذا العامل ليس اساسيا حتى الان، إلا انه قد يتطور لاحقا. وتعتبر مصر في طليعة المنافسين وقد بات وضعها الاقتصادي افضل، ونظمت قطاعها المصرفي وبات يتم دفع اسعار فوائد جاذبة للرساميل الخارجية، قياساً بالمخاطر.

كل هذه العوامل أضيفت الى الوضع المالي اللبناني الدقيق في الاساس. وهي طرأت في مجملها في العام 2018.


من هنا، يمكن تفهّم الاجراءات الاستثنائية التي يقوم بها مصرف لبنان في هذه المرحلة للحفاظ على الثبات النقدي، ودعم المالية العامة، في وجه عواصف تزداد قوة وشراسة. ورغم كل الاجراءات، وآخرها عملية السواب التي قام بها مع وزارة المالية، الا ان الاوضاع تزداد صعوبة كلما طال الوقت، ولم يتغير المشهد السياسي في البلد. وهذا ما سمعه أكثر من سياسي من وزير المالية، وآخرهم زعيم المختارة وليد جنبلاط. اذ ان عملية السواب هي لسنة واحدة، وقد تحمّل مصرف لبنان فرق اسعار الفوائد بدلا من الخزينة. لكن في النتيجة، الكل في مركب واحد، فكيف سيتم التعامل مع استحقاقات 2019؟


العجز الذي سجله ميزان المدفوعات في الأشهر السبعة الاولى من 2018 كان لافتاً. وقد تبيّن ان العجز بلغ في تموز لوحده 548,9 مليون دولار. وهو رقم مُقلق، خصوصا ان صافي الاصول الاجنبية انخفضت في المصارف في هذا الشهر حوالي 807,3 مليون دولار. قد يكون هذا الخفض بجزء منه مرتبطا بتحويلات من الدولار الى الليرة للافادة من اسعار الفوائد المرتفعة حاليا. لكنه قد يكون مؤشرا ايضا على خروج اموال.


في كل الاحوال، الجميع في مركب واحد، وهذا الوضع يشكل نقطة قوة وضعف في آن. اذ عندما تشكّل الدولة والمصارف ومصرف لبنان خط دفاع واحد مشترك عن الوضع المالي، فهذا يجعل خط الدفاع أقوى وأكثر قدرة على الصمود، شرط تحاشي كارثة سقوط هذا الخط، لأنه في هذه الحالة لا يوجد خط دفاع ثانٍ، ولا خطة (ب)، يمكن اللجوء اليها، في مثل هذه الحالات الطارئة.