لقد أصبح هذا الشعب كالدخان العابق المتصاعد من سجائر جلساتكم وأمسياتكم، ونكهة القهوة المستوردة من بلدٍ يشبه أهله حبَّات البنّ في صباحاتكم
 

هكذا تُشرَّد الأوطان، وهكذا يتاجرون بقضيتكم ويجعلونكم أحجار دمى يحركونكم بين أصابعهم وفقاً لمصالحهم، يختلفون بكم ويتصالحون عليكم، أحلامكم بيعت للمشعوذين والسارقين والغشَّاشين الذين دلَّسوا عليكم بالمن والسلوى، إحسنوا وتعلموا طمر الأفخاخ حتى لا يعود "العضيض" يضحك على عقولكم، لكنهم باعوكم بأبخس الأثمان في سوق السياسات والصراعات التي هي أكبر من مساحتكم ومساحة وطنكم، وما زالوا يسوِّقون لكم في الأسواق كل الشعارات التي زرعت كل همٍ وغمٍ في نفوسكم وعقولكم، حتى سيطرت عليكم لقمة العيش ورغيف الخبز، وجاعت أطفالكم، وضيعت فرص عملكم، وحرموكم من تعليم أبنائكم في مدارس قادتكم ورؤساء قيادتكم لأنها ليست من شأنيتكم،فأنتم أرخص من السلع في سوق التجار من باعة الدين والتين والسياسة الخداعة التي لا تعرف الأسماء بل تعرف الكسب والأرباح، فهي تجارة خاسرة لكم ورابحة لقيادتكم الرشيدة التي يسَّرها لكم ربهم، حاصروكم في عيشكم وعملكم من قبل أن يحاصركم أعداء الخارج، فالويل كل الويل لمن يقف منكم ويصرخ نريد العيش ولا نريد الذل.

هنا اتهمتم وخوِّنتم لأنكم من أصحاب نظرية المؤامرة الكبرى، على النهج على الخط على الثورة على القدس على العدو الامبريالي الذي لا يريدكم أن تعمروا حياتكم ودوركم بالكهرباء والمياه والدواء والخضار، لا يريدكم أن تشفوا من أمراضكم لأنه يريد أن يعذبكم على أبواب المستشفيات، وفي كل دوائر وطنكم، كفى تجريحاً وتعذيباً وانتقاماً، لقد جرحتمونا يا زعماء البلاد والعباد ويا ساسة الدين والدنيا، تغاضينا أبصاركم، وحريق كلماتكم، ونبالكم وسهامكم ونشَّابات أكتافكم، لقد جرحتمونا وشرَّعتم في حقنا الجريمة، وأنتم أصحاب المعالي والسيادة، وأنتم أصحاب العباءات الفضفاضة، وأصحاب اللافتات واليافطات والأقوال الحكيمة، وسجادات صلواتكم لا تغادرونها إلا عند النوم والنميمة.

لقد أصبح هذا الشعب كالدخان العابق المتصاعد من سجائر جلساتكم وأمسياتكم، ونكهة القهوة المستوردة من بلدٍ يشبه أهله حبَّات البنّ في صباحاتكم، وعنوانٌ واحدٌ في يوميات صحفكم وصفحاتكم، وأنتم تقرؤون القرآن والإنجيل وكل الكتب المنزلة، والأحايث المقدسة،وتناسيتم أن هذا الشعب منكم وإنه بشرٌ مثلكم، كفى بكم تعذيباً وتجريحاً وفقراً ومرضاً، رحمةً بكم من دوران الدنيا والدين، ورحمةً من سماءٍ شاهدة، كفانا منكم ومن زمنٍ ظالمٍ وأيامٍ حاقدة، هذه هي بلادكم التي تتوسَّل ممن كفرتموهم، الخبز والرغيف والماء والكهرباء وفرص العمل والعيش والدفاتر وأقلام الرصاص، والحبر الأحمر، هذه بلادكم تزداد كل يوم خواراً وتمزقاً وكانتونات وأحزابها اعوجاجاً وتبعية وجهلاً وتعصباً وضغينةً وطمعاً...