أستطيع أن أدّعي أن حزب الله بإمكانياته المالية الضخمة التي يتنعم بها ساهم إلى حدّ بعيد بإفساد الحياة الحزبية في لبنان
 

إذا كان المال يُشكّل ضرورة طبيعية في حياة الأحزاب والتنظيمات اللبنانية عامة، فإنه بالنسبة لحزب الله خصوصاً يُعتبر الرئة التي منها يتنفس والقلب الذي يمنحه الحياة، ومنه يبني الكثير من الجسور السياسية التي تمنحه مروحة واسعة من التحالفات مع الكثير من الأطراف.

أستطيع أن أدّعي أن حزب الله بإمكانياته المالية الضخمة التي يتنعم بها ساهم إلى حدّ بعيد بإفساد الحياة الحزبية في لبنان، بحيث تحوّل العمل الحزبي إلى وظيفة منتجة يعتاش منها الحزبي، وقضى على أي أثر لما كان يُسمى بالتطوّع الحزبي الذي كان سائداً قبله في معظم الأحزاب اللبنانية.

فالنقليات مؤمّنة إلى المهرجانات، والمنتسب إلى الحزب هو إما متعاقد براتب جزئي، وإما متفرّغ براتب كامل مع تأمينات واسعة تشمل الطبابة المجانية والتعليم المجاني وأجرة البيت والنقليات، والكثير من التسهيلات كالقروض البنكية (بنك القرض الحسن)، والحسومات المخصّصة لهم عبر بطاقات شرائية خاصة تُخوّل حامليها أسعار أرخص وتقسيط مريح، ويصل الدور إلى رجال الدين الذين يدورون بفلكه (شيعة وسنة)، فتُصرف لهم موازانات مالية كل بحسب دوره ووظيفته.

إقرأ أيضًا: بعد رفض التشكيلة الحكومية، إلى أين؟

هذا غيض من فيض مما يتمتع به "الموظف" بشركة حزب الله، حتى أن أحد مسؤولي الحزب قال لي منذ أيام في سياق نقاش حول المتغيرات التي طرأت على الحزب مقارنة بمرحلة التأسيس الأولى وبالحرف: "حزب الله الآن هو عبارة عن جيش من الموظفين".

هذا على المستوى الداخلي، أما على مستوى نسج التحالفات مع قوى وشخصيات سياسية وصحافية ووسائل إعلام فيُمكن إختصار المشهد بمقولة أحد العارفين الظرفاء: "إن السيد حسن نصرالله لا يمكن أن يستقبل أي شخصية (سياسية أو إعلامية) إلا إذا كان له راتب شهري أو موازنة مالية خاصة من حزب الله".

هذه المقدمة البديهية عن دور المال وأهميته في الحياة السياسية والحزبية لحزب الله، والدورة الإقتصادية الخاصة التي يشكلها في البيئة الشيعية الحاضنة خصوصاً، تجعلنا ندرك ونفهم حالة الذعر التي تُصيب جمهوره هذه الأيام والتي يعبّر عنها كحقيقة واقعة لا محالة، مع كل هبوط جديد لسعر صرف التومان الإيراني مقابل الدولار الأميركي، فهذه الحقيقة لا تحتاج إلى كثير إعمال عقل ولا يمكن للحزب أن يُهدّأ من روع جماهيره، فقد صرّح الأمين العام للحزب بكل وضوح في أحد خطبه منذ فترة أن: "معاشات حزب الله وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه هي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وأضاف "طالما بإيران في فلوس يعني معنا في فلوس"، وهذا يعني أن العكس صحيح فعندما تجفّ الأموال في إيران فإن الأموال عند الحزب سوف تجف، وهذا يعني بالضرورة أن سنوات عجاف تنتظر حزب الله، فإذا عرفنا أن المال هو عمود خيمة هذا الحزب فإن هذه الخيمة مهدّدة بالسقوط حتماً، وهذا ما بدأنا نسمعه همساً بين جدران البيوت.