لم يحصل في تاريخ الحوزة الدينية ولا في تاريخ جبل عامل أن تداخلت العوامل السياسية أو الحزبية في تسمية الفقيه أو المجتهد إلى أن أعلن النائب في البرلمان حسن فضل الله ذلك
 

لا أعتقد أن النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله كان مقتنعاً بضرورة الإدلاء بشهادته حول اجتهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وذلك لأن شهادة من هذا النوع كانت وما زالت من اختصاص الحوزة الدينية بما فيها من علماء ومراجع من أهل العلم  والخبرة والإجتهاد، ولم تعط الشهادات بالفقاهة والإجتهاد من خارج الحوزة الدينية منذ نشأة هذه المصطحات في التاريخ الشيعي تحديدا، ذلك أن شهادات من هذا النوع لا تعطى إلا بعد التجربة العلمية الطويلة للشخص في الحوزة العلمية ومشاركاته وقراءة تقاريره الفقهية المبنية على علم الرجال والرواية والأصول،  كما أن السيرة العلمية الطويلة في الحوزة ومدى التفاعل العلمي هي أمور أخرى يجب أن تبنى عليها مثل هذه الشهادات.

لم يحصل في تاريخ الحوزة الدينية ولا في تاريخ جبل عامل أن تداخلت العوامل السياسية أو الحزبية في تسمية الفقيه أو المجتهد إلى أن أعلن النائب في البرلمان حسن فضل الله ذلك، وبالتأكيد فإن النائب فضل الله يعرف انه بإعلانه هذا يتجاوز الأعراف والتقاليد الشيعية وهو يعرف أيضا أنه غير مؤهل علميا لإعطاء هذه الشهادة نظرا لاختصاصه بالشؤون السياسية ذات الصلة بالتشريع النيابي وليس بالشريعة الإسلامية ولا بشؤون الفقه والإجتهاد، ولذلك على النائب فضل الله أن يراجع حساباته ويلتفت أكثر إلى وظيفته الأساسية بعيدا عن التملق والإستزلام والتزلف، وظيفته التي من المفترض أن تراعي حاجات الناس ومعاناتهم وشؤونهم الحياتية والإجتماعية والمعيشية وان تراعي متطلبات المجتمع الذي لا يجد قوت يومه ولم يعد يؤمن بالزعامات ولا بسياسة تكريس الزعامات ولا بسياسة تقديس الأشخاص، هذا المجتمع الذي لم يعد بحاجة إلى فقهاء ولا إلى مجتهدين ولا إلى مرجعيات دينية ولا سياسية بقدر ما هو بحاجة إلى الحصول على حقوقه المسلوبة والمنهوبة والمهملة من هذه الزعامات والأحزاب المتسلطة بهذا الخطاب على رؤوس البلاد والعباد. 

إقرأ أيضًا: عاشوراء: لمناسبة بعيدة عن الإستغلال والإساءة

لا شك أن الأمين العام لحزب الله له حضورة السياسي والاجتماعي كأي زعيم سياسي لبناني  على مستوى لبنان والمنطقة، وله تاريخه في النضال خلال حقبة الإحتلال الإسرائيلي للبنان ولكن تسميته فقيها ومجتهدا هو تعدي سافر على المرجعية الدينية والحوزة الدينية  وكل قوانين الفقه والاجتهاد التي أنتجتها الحوزة خلال عقود طويلة.

إن الموقع السياسي ليس الجهة المخولة لإصدار الشهادات بالفقه والإجتهاد ولا يخول صاحبه إعطاء مثل هذه الشهادات مهما علا شأنه، كما أن السلطة لا تمنح أي صفة علمية لأي أحد  مهما فعلت ولو أعطت تكون هذه الصفة مزورة وغير مكتملة.

إن ثورة الإمام الحسين ونحن على أعتاب عاشوراء رفضت هذا الإسقاط وكان من أهدافها محاربة أي سلطة من هذا النوع بعدما حاول يزيد بن معاوية إسقاط الولاة وإعطائهم الشهادات في العلم والمرجعية وغيرها من الشهادات التي لم تنطلق من أي أسس علمية أو دينية ولذلك كانت ثورة الحسين عليه السلام لمحاربة هذا الخلل الذي كان يهدد الأمة ومرتكزات الدين كما كان الإصلاح العنوان الأسمى لتصحيح المسار الذي ذهبت إليه السلطة، وهذا مع الأسف ما يحصل اليوم وهو إساءة لثورة الحسين ومفاهيم الدين وتعدي جديد على الحسين وثورته، فكيف نقتدي بالحسين بذلك الخطاب الذي يتناقض مع ثورة الحسين عليه السلام وأهدافها الإصلاحية؟