تتعدّد الأمراض الجينية والوراثية التي يمكن أن ينقلها الأهل إلى أطفالهم، وفي حين استطاع الطبّ معالجة بعضها، ما زال حتّى يومنا غير قادر على معالجة أحد أكثر الأمراض العصبية الوراثية انتشاراً في لبنان والعالم. فما هو هذا الداء الذي يسبّب البطء في النموّ الحركي وتقوّس الرجل والتواء العمود الفقري؟ وما هي الخطوات الطبّية التي تساعد على التعايش مع هذا المرض؟
 

يصيب داء شاركو ماري توث «Charcot-marie-tooth disease» شخصاً من بين كل 2500 شخص، لذلك يُعتبر المرض العصبي الوراثي الأكثر شيوعاً وانتشاراً. ورغم ذلك، ما زالت التوعية حوله خجولة، كذلك التشخيص الطبي.

في هذا السياق، حاورت «الجمهورية» الاختصاصي في امراض الدماغ والجهاز العصبي الدكتور ميشال عازار الذي قال إنّ «هذا المرض هو طيف أو مجموعة من الأمراض الجينية التي تصيب الجهاز العصبي الذي يربط بين النخاع الشوكي والعضلات (système nerveux périphérique) والذي يسبّب تلف الأعصاب، لا سيما على مستوى الذراعين والساقين».

تأخّر النموّ الحركي

تختلف بداية العوارض حسب نوع الخلل الجيني، ولكنها تظهر غالباً عند الأطفال وكذلك عند المراهقين. ويوضح عازار أنّ «ضعف عضلات الرِجل الذي يسبّب التواء المفصل (entorse de la cheville) عند الاطفال، هو من العوارض الاكثر شيوعاً، اضافةً الى فقدان نموّ العضل وضموره، تقوّس في شكل الرجل والاصابع، ضعف او فقدان حاسة اللمس، اختلال في التوازن وصعوبة في المشي والتواء في العمود الفقري (scoliose)».

انتبهوا الى أولادكم في حال...

الاكثر عرضة للإصابة بداء «شاركو ماري توث» هم الذين لديهم تاريخ عائلي مع هذا المرض، الّا انّه يمكن أن يصيب الجنين في رحم أمه إثر تعرّضه لخلل في جهازه العصبي دون أن يكون هناك ايّ مصاب في عائلته.

ويفسر د. عازار أنّ «هذا المرض الجيني يؤدي الى اختلال في وظيفة البروتين الموجود على غلاف العصب (Myéline) أو جزع العصب (Axone). من جهة اخرى، على الاهل الانتباه الى طفلهم والتوجّه به الى الاختصاصي في حال لاحظوا أنه تأخّر في المشي، أو اذا كان يعاني من مشكلة في التوازن او اذا كان يسقط كثيراً على الارض، او اذا كان ضعيفاً جدّاً في حصة الرياضة البدنية في المدرسة مقارنةً بزملائه، اضافةً الى العوارض التي ذكرناها آنفاً خصوصاً في ما يتعلق بالتواء العمود الفقري وفي مظهر الرجل. عندها، يعمد الاختصاصي الى تشخيص حالته من خلال مساءلة المريض عن عوارضه ليتابع بعدها فحصه سريرياً ثمّ يُخضعه الى تخطيط الأعصاب (Electromyographie)، وأخيراً تأكيد الاصابة تكون عبر الفحص الجيني».

لا توجد حتّى يومنا هذا علاجات شافية لهذا الداء، الّا انّ هذا المرض يتطوّر ببطء بشكل عام، ولا يؤثر على متوسط العمر المتوقع. وما زالت التوعية منعدمة حول هذا الموضوع وليس فقط في لبنان بل على مستوى العالم ككل، وبحسب د. عازار «قد يعود سبب ذلك إلى أنّ الاهل لا يعطون اهمية الى العوارض، مبرّرين مثلاً، بأنّ والد الطفل كان يعاني من التواء في رجله أو ضعف في يده وعاش حياة طبيعية جدّاً. كما أنّ ثمّة مصابين يخجلون من شكل رجلهم فينعزلون ولا يتكلمون عن الموضوع، ما يسبّب لهم ايضاً الاكتئاب. في المقابل، هذا المرض ما زال غير معروف طبّياً بشكل دقيق، ويمكن ربط ذلك أنّ زيارة المرضى المصابين بداء «شاركو ماري توث» الى عيادات الاختصاصيين نادرة جدّاً».

خطوات أساسية

رغم غياب العلاجات الشافية، الّا انّ بعض الخطوات الطبية والوقائية تساعد على إدارة داء «شاركو ماري توث» والسيطرة عليه والتعايش معه، ويعدّدها د. عازار على الشكل الآتي:

• على المريض استشارة الطبيب المختص قبل أخذ ايّ نوع من الادوية، لأنّ بعضها يساعد في تفاقم المشكلة.

• على المريض تجنّب ايّ شيء يمكن أن يؤثّر على العصب المحيطي (nerf périphérique)، محاولاً تجنّب الامراض التي تسبّب اعتلال هذا العصب كالسكّري مثلاً.

• استشارة المعالج الفيزيائي لمساعدة المريض على المحافظة على قوة عضلاته وتوازنه وليونة مفاصله، بهدف تحسين نمط حياته اليومية.

• استشارة الاختصاصي في امراض الرجل (Podologue)، الذي يمكنه مساعدة المريض من خلال وضع «ضبان طبّي» مثلاً أو غيره من الوسائل الطبّية التي تساهم في تأمين استقرار الكاحل.

• يمكن خضوع المريض للجراحة عند اختصاصي العظم في حال لم يتحسّن من خلال الوسائل غير الجراحية، فيُخضعه لجراحة تثبيت الكاحل.

• إذا كان احد الشريكين يعرف بإصابته بهذا المرض، بإمكانهما الخضوع للفحص الجيني للكشف عن نسبة ولادة طفل يعاني من الداء نفسه.

• المقاربة الطبّية بين عدد من الاختصاصيين تساعد المريض على التعايش مع مرضه خصوصاً اختصاصي الاعصاب، الاختصاصي في الامراض الجينية، جرّاح العظم والمعالج الفيزيائي. اضافةً الى الحاجة احياناً الى الاختصاصي في علم النفس لتخطّي المصاعب النفسية التي يسبّبها هذا الداء.

• عند التأكد من اصابة المريض بداء «شاركو ماري توث» مبكراً في عمر الـ10 سنوات مثلاً، على الأهل خلق له حياة تناسبه، مثل توجيهه الى مهنة معيّنة لا تتطلب المجهود الجسدي.