يبدو أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لم يستفز على الساحة المسيحية القوات اللبنانية وتيار المردة فحسب. فقد استفزّ بمواقفه الكنيسة المارونية. كانت بكركي من أبرز الداعمين لانتخاب رئيس قوي للجمهورية. اللقاءات بين البطريرك الماروني بشارة الراعي والرئيس ميشال عون كثيرة منذ وصول الأخير إلى بعبدا. لكن حالة من الاختلاف قد تصل إلى الخلاف، تعتري العلاقة بين بكركي وباسيل، لجملة أسباب، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو جوهري وأيديولوجي استراتيجي. وإلى جانب موقف بكركي المختلف مع توجهات باسيل، هناك مواقف أخرى لها علاقة بالسياسة وكيفية إدارته للأمور في البلد.

ربما أكثر المستائين من تحقيق موسكو نقاط تقدّم في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا ولبنان، هو الكنيسة الكاثوليكية. وهناك من يعيد الأمر إلى جذور الصراع بين الكنيستين، الكاثوليكية والأرثوذكسية. فالكرملين لا يخفي أسباباً دينية تحفّزه على المشاركة في القتال في سوريا، حتّى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول الحصول أكثر من مرّة على غطاء من بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية لعملياته العسكرية في سوريا، وهناك دراسات وتقارير داخل روسيا، تتناول مسألة إعادة المسيحية المشرقية أو البيزنطية.

يوم زار باسيل موسكو مؤخراً نزلت مواقفه كالصاعقة على بكركي، لا سيما حين أعلن عن ضرورة قيام تحالف مشرقي، برعاية روسيا. هذا الكلام لم يمرّ مرور الكرام لدى الكنيسة المارونية، التي سجّلت أكثر من ملاحظة وانتقاد لهذا الكلام. إذ تعتبر بكركي أن ما قاله باسيل، سواء أكان عن خطأ أو عن غير قصد أو هو كلام سياسي، يشير ضمنياً إلى أن روسيا ستكون مرجعية المسيحيين في الشرق. وهذا ما ترفضه الكنيسة المارونية.

يقول المعترضون إن باسيل من خلال موقفه هذا، يقول إن مرجعيته هي موسكو، أي الكنيسة الأورثوذكسية. وهذا الكلام يتسبب بازعاج بكركي التي تعتبر أنها كنيسة كاثوليكية ذات جذور مشرقية، مرجعيتها روما وليس موسكو، في علاقة تعود إلى العام 1200 للميلاد. وتعتبر المصادر أن باسيل يؤسس لخلاف أيديولوجي ديني، إذ ترفض بكركي أن تدخل الحسابات السياسية بالدينية. مع الإشارة إلى أن الكنيسة المارونية هي الكنيسة الوحيدة التي لا يدخلها انشقاق على عكس الكنائس الأخرى، بمعنى أن الكنيسة المارونية وحدها التي تتبع بكاملها مرجعية الفاتيكان، وليس فيها من يتبع الكنيسة الأرثوذكسية. وكلام باسيل، وإن يأتي في سياق سياسي، يؤدي إلى حصول هذا الانقسام داخل الكنيسة المارونية.

تعود العلاقة بين الموارنة والكنيسة الكاثوليكية الجامعة، إلى 800 سنة مضت. لذلك تسأل المصادر، هل يريد باسيل اليوم لأهداف سياسية أن يعلن موسكو مرجعية للموارنة؟ هذا يؤدي إلى خلاف أيديولوجي بين الموارنة من جهة، والكنيسة والفاتيكان من جهة أخرى. وتكشف عن وجود العديد من النقاشات التي تدور بين المطارنة لمواجهة هذا الكلام، وإعلان رفضه.

أما في ما يتعلّق بالملاحظات الأخرى على أداء باسيل، فتعتبر بكركي أن الراعي بذل مجهوداً كبيراً لإجراء مصالحة مسيحية وجمع القادة الموارنة أكثر من مرّة. ومن الصرح البطريركي خرج منطق الرئيس القوي القادر على جمع المسيحيين، لا على بث الفرقة بينهم. لذلك، لا بد من مواجهة ما يفعله باسيل. وثمة من يصف قول باسيل بأنه ضمن حفلة العزل وإلغاء غيره من المسيحيين. فهو يريد عزل القوات اللبنانية وتهميش دورها، ويريد إلغاء سليمان فرنجية. وهذا أمر لا يمكن القبول به، خصوصاً أن الوضع في البلد ينذر بتفاقم خطير على الصعيد الاقتصادي خصوصاً. لذلك، لا يمكن فرض شروط من قبل الأقوياء لإلغاء الآخرين، وعرقلة إطلاق عجلة مؤسسات الدولة نزولاً عند حسابات مصلحية وشخصية.

وأكثر من ذلك، هناك توجّه لدى بكركي لدعم اتفاق الطائف والحفاظ على الدستور. وهذا ما تجلى في بيان المطارنة الموارنة الذين أبدوا استغرابهم لإثارة مسألة الدستور وتعديله عند كل استحقاق،. ووفق المصادر فإن المقصود بهذا الكلام هو باسيل نفسه، الذي يريد تسيير البلاد وقوانينها بما يصبّ في مصلحته، معتبرة أن ادعاءه الدفاع عن حقوق المسيحيين وتعزيز صلاحياتهم، سيؤدي إلى إهدار ما تبقى لديهم، لأن أي مساس باتفاق الطائف، سيقضي على المناصفة، ويقود إلى المثالثة، أو أنه سيدفع الطرف الآخر في البلد للذهاب إلى طرح المسألة العددية، وحينها ستنتهي الصيغة ومعها الدور الذي يتمتع به المسيحيون.