الدولة هي العنوان المعنوي الذي يمكن إلقاء اللوم عليه ورشقه برزم من الشتائم والسباب في كل لحظة ونعته بأقذر النعوت والاوصاف دون أن يرف جفن لأي من أركان السلطة الحاكمة باعتبارهم خارج دائرة الاتهامات والاوصاف الشنيعة
 

قلما تجد مجموعة من الأشخاص في منطقة بعلبك الهرمل أثناء النقاشات التي تدور بينهم دون انزلاقهم إلى مربع التذمر والشكوى من الأوضاع المعيشية التي يعيشها أبناء هذه المنطقة وإلى الإهمال والحرمان التي تعاني منه لعقود من الزمن. إلى أن يقودهم مآل النقاش العقيم والجدل البيزنطي بينهم إلى إلقاء اللوم والمسؤولية على الدولة واتهامها بالتقصير ووصمها بتهمة الظلم والجور وافتقادها إلى العدالة بتوزيع الخدمات الإنمائية بين المناطق وتغييبها لشعار الإنماء المتوازن، مع جرعة إضافية بتأكيد الفساد الذي يجوب مختالا في أروقة كافة المؤسسات والإدارات دون وجل أو خوف من إقدام اي جهة مسؤولة للتصدي له ومنعه من القفز إلى أي درج من ادراج المكاتب المنتشرة في كافة المكاتب الرسمية بصيغة الرشوة أو الهدية المقنعة بمنسوب كبير من التحايل على القانون والتي تصل إلى حدود الصفقات المشبوهة والسمسرات التي تحرم خزينة الدولة من أموال باهظة تذهب إلى جيوب رؤوس السلطة والمقربين والحاشية وأصحاب الحظوة. 

والتركيز على حصر المسؤولية بالدولة واتهامها بالإهمال والحرمان، لعمري فيه محاولات عن قصد أو غير قصد - والارجح عن قصد - لتجهيل الجهة المسؤولة عن التقصير وهو افتراء على الحقيقة وطمسها بتغليف هذه الجهة بطبقة سميكة من الغبار يصعب اختراقها للحؤول دون توجيه أصابع الإتهام إليها. 

إقرأ أيضًا: عراقيل تشكيل الحكومة خارجية وليست فقط داخلية

فالدولة هي العنوان المعنوي الذي يمكن إلقاء اللوم عليه ورشقه برزم من الشتائم والسباب في كل لحظة ونعته بأقذر النعوت والاوصاف دون أن يرف جفن لأي من أركان السلطة الحاكمة باعتبارهم خارج دائرة الاتهامات والاوصاف الشنيعة. طالما أن القذائف الكلامية تستهدف الدولة ودون أي معارضة من أحد (وبالمناسبة فإن كل الأطراف تتهرب من مسؤولياتها بالقاء تبعات تقصيرها على الدولة). 

لكن ما يغيب عن أذهان الناس أن الدولة ليست صندوقا تم استيراده من الخارج. ويمكن فتحه تبعا للظروف وعندما تقتضي الحاجة لاستخراج ما يمكن استخراجه من الخدمات والتقديمات ومن ثم إغلاقه. 

وما يجب على الناس أن تعرفه هو أن الدولة هي مجموعة المؤسسات والإدارات الخاضعة لسلطة وهيمنة وسيطرة كافة القوى السياسية والحزبية التي تتحكم بمفاصل البلد. 

وعليه فالمسؤول عن التقصير وعن الانهيارات الاقتصادية والمالية والمعيشية والأمنية وعن الفساد في الإدارة وزعزعة الاستقرار المالي والفلتان الأمني هو تلك الطغمة السياسية والحزبية المتسلطة على مفاصل الدولة بدءاً من مؤسسة رئاسة الجمهورية وصولا إلى أصغر دائرة في آخر قرية نائية مرورا بالمجلس النيابي ومجلس الوزراء وكافة المؤسسات الحكومية والقضائية والعسكرية والأمنية وليست الدولة بالمعنى الاعتباري والمعنوي. 

والمطلوب تسليط الضوء على الممسكين بمواقع القرار في الدولة وتحميلهم مسؤولية التقصير والإهمال والحرمان والتهاون بمسؤولياتهم واستغلال مناصبهم لمصالحهم الشخصية وخدمة لمشاريعهم المرتبطة بمشاريع إقليمية على حساب مصلحة الوطن والمواطن.