منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة كشف علناً عن تشكيلتين تقدّم بهما الى رئيس الجمهورية ولم يوافق على أيٍّ منهما رهناً بموافقة رئيس «التيار الوطني الحر». وكلما تعثرت المهمة كان الحريري يجدّد دورة الاستشارات عينها. وهو ما تكرّر بلا جدوى على قاعدة «يا دارة دوري فينا».
 

شاءت المصادفات أن يتسرّب بعد 10 ايام على التكليف خبرٌ عن لقاء مرتقب بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا وكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري فعاشت البلاد ساعاتٍ اعتقد فيها كثيرون أنّ الحكومة ستولد في هذا التوقيت القياسي، وتبودلت على نطاق ضيق تشكيلة حكومية وُصفت بأنها «مثالية» أو على الأقل «منطقية» وقد سبق التفاهم في شأنها الانتخابات النيابية. قبل أن تتبدّد هذه الأجواء في ساعات قليلة، وتحديداً عندما أوضحت دوائر القصر الجمهوري أنّ الاجتماع لمعالجة النزاع مع إسرائيل على الخط الأزرق.


منذ تلك المحطة بدأت أجواء التردّد والتشكيك تتنامى وخصوصاً عندما قدّم الحريري أول تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية منتصف تموز ولم تلقَ تأييده. وبرزت أولى العقد في اعتراض رئيس الجمهورية ومعه رئيس «التيار الوطني الحر» على حصّتي حزبي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الإشتراكي» عدا عن عقدة تمثيل «نواب 8 آذار» السنّة والتي ترافقت وإصرار «التيار البرتقالي» ورئيس الجمهورية على حصة من 11 وزيراً.


وما بين التأكيد والنفي المبطّن لحجم تلك الشروط و«الفيتوات» انفجرت العلاقة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» بعدما نعى رئيسه «تفاهم معراب» وزاد من التعقيد إصرار الحزب التقدمي الاشتراكي على حصر الوزراء الدروز الـ3 به دون غيره مدعوماً من رئيسي المجلس والحكومة، وإصرار تيار «المردة» على حقيبة الأشغال وأخرى لسنّي من «التكتل الوطني».


وعلى قاعدة البحث عن صيغة جديدة، توافق عون والحريري مرة أخرى على أن يتقاسما الأدوار لتسهيل مهمة التأليف، فتعهّد الحريري بالتشاور مع حزبي «القوات» و«الإشتراكي» و»التيار الوطني الحر». وطالما ان تشاوره لم يشمل يومها رئيس «التيار البرتقالي» قيل للحريري إنّ ما تعهّدت به ما زال ناقصاً وإنّ موافقة رئيس الجمهورية ما زالت رهناً بموافقة الوزير جبران باسيل. على اساس معادلة تقول «إنّ حصة التيار لا علاقة لها بحصة فخامة الرئيس».


ومنذ ذلك التاريخ تدور الأمور على نفسها، خصوصاً عندما تبيّن أنّ العُقد الداخلية ما زالت هي هي بما فيها إصرار عون وباسيل على امتلاك «التيار البرتقالي» والرئيس «الثلث الوزاري المعطل» (11 وزيراً من 30).


وبعد أخذ وردّ اكتملت دورة لقاءات الحريري بلقاء باسيل وانتهى مطلع آب الماضي الى رفضه مقترحات الحريري وفق المعادلة التي أصرّ عليها لجهة تمثيل «القوات» و«الإشتراكي» وعاد بعدها الحريري الى بعبدا في زيارة ما زالت الشكوك تحوم حول ما إذا كان قد تقدّم خلالها بتشكيلة حكومية جديدة أم لا. ذلك أنّ المهم أنها رُفضت مرة اخرى سواءٌ أقدّمت أم لا، فلا تشكيلة جديدة تتجاوز العقد المُعلَن عنها أو تحلّ أيّاً منها.


وعلى وقع الحديث المتنامي عن العُقد عينها التي لا حلّ لها، غاب الحريري في عطلة عيد الأضحى وعاد بعدها الى بعبدا فتجدّد سيناريو الاتّصالات والمشاورات الذي تعهّد به وفق الآلية السابقة وهو ما زال قائماً الى الآن، وبات بعد جولة مفاوضاته مع «القوات» و «الإشتراكي» وباسيل الذي التقاه امس - وسط اعتقاد البعض بانّه لم يقدم ولم يؤخر في مسار الأزمة القائمة بعناوينها وعقدها المعروفة - ولذلك لم يعلّق عليه المراقبون أيَّ أهمية. فالأمور ما زالت على حالها ولم ينجح أحد من طبّاخي التشكيلة الجديدة في اجتراح أيّ مخرج، وهو ما يعني ـ إلّا في حال تجدّدت العجائب - أنه لم يكن هناك لزوم لزيارة قصر بعبدا امس لأنّ الأزمة باقية وغارقة في تعقيداتها، وتدور على نفسها بحلقة مقفلة وعلى نحوٍ مملّ.