بات محسوماً أنّ «حزب الله» وحلفاءه يريدون ولادة الحكومة في أقرب ما يمكن، وهم يمارسون كل الضغوط ليتحقّق ذلك خلال الشهر الجاري على أبعد تقدير. لكنّ مأزق هؤلاء يكمن في إيجاد الطريقة المناسبة لفرض هذا الخيار، من دون الوقوع في «دعسات ناقصة». فالوضع حسّاس، و«الحزب» موضوع تحت المجهر الدولي، كما أنّ من مصلحة الرئيس ميشال عون أن يُثبِت للجميع أنه ليس جزءاً من ماكينة يحرِّكها الإيرانيون و«حزب الله»!
 

يقول «الحزب» وحلفاؤه، بمَن فيهم «التيار الوطني الحرّ»: ما يجري اليوم هو استمرار لمسار جرى إطلاقه سابقاً. ففي تشرين الثاني الفائت، جرت محاولة لتحويل مسار التسوية المتفق عليه في 2016. ونحن نعرف أنّ الحريري نفسه لم يكن يريد أن يكون جزءاً من المحاولة. والدليل هو أنّ خلافاً عميقاً وقع بينه وبين من تبنّوا هذه العملية وسعوا إلى تحقيق أهدافها.


وآنذاك، نفّذ رئيس الجمهورية وفريقه السياسي عملية جراحية دقيقة، في السياسة لا في الأمن، وبتغطية دولية وعربية، أدّت إلى احتضان الحريري. وعندما استأنف عمله في السراي، استرجع مسار التسوية المعتمد بلا تعديل، وتخلّى عن كل العناوين الجديدة التي رفعها خلال الأزمة. وفي هذه الروحية، خاض الحريري انتخابات 2018.


لقد أطلق الحريري وعداً بأنه سيلتزم إقامة توازن في السلطة في لبنان، وأنه سيمنع محور إيران من السيطرة على القرار. لكن نتائج الانتخابات كانت مفاجئة، وفاز فيها «الحزب» وحلفاؤه بغالبية تتيح لهم السيطرة الكاملة على المؤسسات: رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي ثم الحكومة العتيدة.


لذلك، تضيف الأوساط، ثمة من أراد دفع الحريري إلى الوقوف في وجه الغالبية النيابية، ومنعها من أن تكون غالبيةً في الحكومة أيضاً. وكذلك أن يتصلّب في إقامة توازن سياسي معيّن داخل حكومته المقبلة، بحيث لا يكون فيها القرار للغالبية النيابية. بل ثمة من رغب في أن تكون حكومة الحريري متراساً في وجه المجلس النيابي.


في أوساط «الحزب» والعديد من قوى 8 آذار يقولون إنّ الحريري هو اليوم أيضاً مقيَّد الحركة.


ويقال أيضاً إنّ الحريري نفسه لا يرغب في ممارسة التصعيد في موضوع تأليف الحكومة، كما أنه ليس متحمّساً لخوض المعارك دفاعاً عن بعض حلفائه.

 

ويتفهّم فريق 8 آذار جزئياً حاجة الحريري إلى عدم معاكسة بعض القوى الصديقة له، فـ»حزب الله» نفسه يريد منه أن يحافظ على علاقاته ورصيده مع هذه القوى، ليتمكن من توفير التغطية التي يريدها منه شخصياً ومن الحكومة المقبلة والدولة اللبنانية عموماً. فـ»الحزب» لم يستَعِد الحريري إلى السراي مجاناً، وإنما لأنه قادر على توفير التغطية التي يحتاجها «الحزب».


لكنّ الحدود التي يضعها «حزب الله» لـ»الصبر» في ملف التأليف، ليست مفتوحة. ويبدو أنّ الأسابيع المقبلة حسّاسة في هذا المجال. ولا يسعى «الحزب» إلى إخراج الحريري من السراي، كأولوية. لكن أوساطه تقول: مصرّون على إخراج الرئيس المكلّف من قيوده قبل دخوله إلى السراي. والضغط لتحقيق هذا الهدف سيتصاعد. ويتوقع المتابعون أن يكون الضغط سياسياً في الدرجة الأولى، لأن المناخ الحالي لا يسمح بضغوط أخرى.


ويتردّد في أوساط 8 آذار و»حزب الله»: نحن لا نناور عندما نقول إننا نريد الحريري شريكاً في السلطة، ولكن لا يجوز للحريري أن يتعاطى معنا بكثير من الدلع السياسي. وعليه أن يدرك أنّ حاجتنا إليه محدودة ومشروطة، فإذا ما خرق السقف السياسي المسموح به، وأظهر رغبة في الانقلاب على التسوية، سيكون لنا حديث آخر.


وتلوِّح الأوساط بأنّ «الحزب» وحلفاءه يمتلكون القدرة على قلب الطاولة في أي لحظة وتسمية شخصية أخرى لترؤس الحكومة، سواء من داخل معسكر حلفاء «الحزب» السنّة، أم من القريبين. فالغالبية النيابية، في النظام البرلماني، تمتلك شرعية تسمية رئيس الحكومة وتأليف الحكومة التي تريدها، ولا يمتلك أحد الحقّ في معاكستها.


ويعتقد البعض أنّ هذا التلويح سيبقى في إطاره السياسي مهما ارتفعت حرارة الصراع على الحكومة وشكلها وبرنامجها وخياراتها، لأنّ «الحزب» سيحرص على إظهار «وجهه الجميل» في مرحلةٍ يتعرّض فيها لعقوبات وضغوط دولية عالية. لكنّ آخرين لا يستبعدون خيارات أخرى «شبه سياسية».