المعركة ليست في إدلب بل في دمشق. هذا ما تقوله الغارة الاسرائيلية على مطار المزة فجر الاحد، وهذا ما تفصح عنه الكتابات والمواقف الصادرة من تل ابيب وواشنطن. إدلب تفصيل بسيط في اللوحة السورية المعقدة، بالمقارنة مع الصراع على من يتولى الوصاية على سوريا ومن يتمتع بالنفوذ الأخيرعلى حكامها.

لم يخف الاسرائيليون أنهم يتوقعون تسوية سلمية لمعضلة إدلب ، على الرغم من الضجيج الهائل الذي يدور حول معركتها الفاصلة. لعلهم يتمنون تلك التسوية او يدفعون في اتجاهها. المهم من وجهة نظرهم الا يخطىء أحد في تحديد طبيعة الفصل الاخير من الحرب السورية وأهدافها ونتائجها.

وفي هذا التحليل الاسرائيلي من الحجة ما تدعمه الغارة على مطار المزة: معركة إدلب تكاد تكون عبثية، إستعراضية، وغير مفيدة لأحد. طبول الحرب تكفي وحدها لتفاديها. تجريد حملة إبادة لنحو مليونين ونصف مليون إنسان سوري من أجل التخلص من نحو عشرة آلاف مقاتل من جبهة النصرة، لا يحقق أي غرض سياسي. فهؤلاء المقاتلون لم يعد لهم أي غطاء. لم يكن لهم أصلا أي تغطية، أو صدقية سوى ما يميزهم عن الدواعش المستوردين من كوكب آخر، وما يجمعهم من عزم على الثأر من النظام، وفق منظور خلاصي اسلامي فارغ المحتوى. كانوا بمثابة فئة شريدة (ضالة) تقطعت بها السبل السورية، وها هي اليوم تستعد للتسليم بأنها وصلت الى نهاية الطريق، ولم يبق امام مشايخها وافرادها سوى ان يهيموا على وجوههم، ويهاجروا الى المجهول.

عندها يمكن ان تصبح التسوية ممكنة، وأن تكون شروطها أفضل من بقية التسويات التي جرت في أنحاء سورية أخرى، فقط لأنها ستكون بضمانة روسية تركية مشتركة هذه المرة، تحول دون وضع النظام أمام إختبار قدرته، المشكوك بها أصلاً، على فرض سيطرته على تلك المحافظة المكتظة بالمسلحين والنازحين والمعارضين الذين لم يعد لهم مكان يفرون اليه. وبالتالي لا حاجة الى مذبحة كبرى، يرتكبها الروس والنظام، برغم ان أحداً لن يمنعها وربما لن يحتج عليها، طالما أنها كانت نظيفة من الاسلحة الكيماوية.

المعركة الحقيقية، او بالاحرى المصيرية، هي في دمشق. عبّر الاسرائيليون في الغارة على مطار المزة عن ضيقهم من الصديق الروسي الذي يتباطأ في عملية إخراج إيران من سوريا، بحجة أنه غير قادر على الاقدام على هذه الخطوة، أو لعله راغبٌ في الحصول على ثمنها سلفاً. لا تريد إسرائيل ولا واشنطن طبعا ان يكون الايرانيون مدعوين الى حفل إعلان نهاية الحرب السورية، وتوزيع غنائمها. وثيقة التعاون العسكري السوري الايراني التي وقعت الاسبوع الماضي في دمشق، كانت خطوة تعكس الكثير من التحدي، برغم ان مضمونها قد لا يعني شيئا بالنسبة الى مستقبل سوريا المحدد كقاعدة عسكرية وسياسية روسية لا تحتمل أي شراكة أو منافسة.

 لكن اسرائيل لم تقصف مطار المزة رداً على تلك المعاهدة السورية الايرانية. ثمة سياق مفتوح من قبل الاسرائيليين والاميركيين غايته إعادة إيران الى داخل حدودها التي غادرتها منذ غزو العراق في العام 2003 ، والتي وسعتها الى أعماق العالم العربي عندما بدا لها ان الاسلاميين(السنّة) تمكنوا من خطف الثورات العربية بعد ربيع العام 2011. هذا السياق يدخل الآن في مرحلته الحرجة: الحصار يشتد على إيران، وهو ينذر بإختناق الدولة الايرانية وربما إفلاسها، عندما يسري مفعول العقوبات النفطية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل.

الغارة على مطار المزة تعيد تسليط الاضواء على ما يفترض ان يتم في دمشق، لا في إدلب.. كما تعيد توجيه الانظار مجدداً الى ان سوريا ستكون واحدة من أهم جبهات المواجهة الاسرائيلية-الاميركية الايرانية.. مع أنها لن تكون الجبهة الوحيدة.