تساؤلات عدة تطرح بشأن موقف القوات اللبنانية من مسألة تشكيل الحكومة، وإذا ما كانت القوات تحتمل الاتهامات الموجهة إليها، بأنها تعرقل تأليف الحكومة بسبب الشروط التي تفرضها. وهذه الأسئلة تطرح في أوساط القاعدة القواتية، التي اعتادت مواقف تسهيلية من القوات للمصلحة العامة. لكن، اليوم، ثمة أموراً قد تغيّرت ولا يمكن للقوات أن تتنازل أو تقدّم رأس مطالبها في بازار قد ينقلب عليها في أي وقت، كما انقلب البعض على اتفاق معراب. النقطة الوحيدة اتي أُحرجت فيها القوات هي تصوير انها صاحبة العقدة الوحيدة في تعطيل التشكيل. بفعل مطالبها. ولم تحسن القوات مواجهة ذلك والردّ عليه. فيما، عملياً، المشكلة المحصورة داخلياً وبمعزل عن كل الارتبطات الإقليمية، هي عنوان أوسع من أربع حقائب بينها حقيبة سيادية تطالب بها معراب. القضية هي في معارضة واسعة بعض محاورها صامت وبعضها الآخر علني، إذ ترفض القوات التسليم للوزير جبران باسيل وشروطه وتسليمه البلد.

القصة بالنسبة إلى القوات ليست 4 حقائب، إنما 11 حقيبة وزارية يطالب بها باسيل، إذ يمكّنه هذا العدد من تسجيل ثلاث نقاط، هي: الأولى امتلاك الثلث المعطّل، وبالتالي السيطرة على الحكومة بعد السيطرة على رئاسة الجمهورية؛ الثانية فتح معركته الرئاسية من خلال هذه المكتسبات؛ والثالثة هي كسر القوات وغيرها من الأفرقاء، وإظهار نفسه منتصراً بلا منازع. لذلك، لا تعتبر القوات نفسها وحيدة في هذه المعركة، فلا يمكن للحزب التقدمي الاشتراكي القبول بانتصار باسيل واستلامه البلد، ولا يمكن لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أن يقدم تنازلات تقضم دوره وصلاحياته. وعلى الموجة نفسها يسير رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لا يريد الدخول في معارضة رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل، لكنه يتوافق بطريقة أو بأخرى مع مطالب رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات سمير جعجع. وعلى يسار برّي أيضاً موقف تيار المردة ورئيسه سليمان فرنجية.

تختصر القوات في معركتها هذه مواقف معظم معارضي باسيل علناً وضمناً، وهناك من يبلغ به الأمر إلى حدّ اعتبار أن حزب الله لن يكون موافقاً على تحقيق باسيل كل ما يريده. بالتالي، فإن معراب تخوض المعركة باسمها وباسم معظم الأفرقاء في البلد، وحتى لو وافقت القوات على 4 حقائب بدون حقيبة سيادية، وعلى حصول رئيس الجمهورية وباسيل على 11 وزيراً، فإن غيرها سيخرج لمعارضة هذه المعادلة. لكن الانسجام مع النفس والطروحات وعدم التسليم بالتراجع، هو ما يدفع القوات إلى التمسك بموقفها.

تفضّل معراب حصر الأسباب المعرقلة لعملية التشكيل بالأسباب الداخلية، ولا تذكر الأسباب الخارجية كالعقوبات على إيران وحزب الله، وتعقيدات العلاقة مع النظام السوري واتجاه فريق إلى فرض التطبيع معه. المشكلة محصورة بالأحجام وبمن يريد الإمساك بالبلد. وطالما أن التراجع غير مطروح في هذه المرحلة، تتجدد الأسئلة في شأن حقيقة الوضع الاقتصادي، وإذا ما كانت القوات قادرة على تحمّل كل ما قد يطاولها من اتهامات إذا ما حصلت اهتزازات اقتصادية بفعل تأخر التشكيل. هنا، تجيب مصادر متابعة بأن الحكومة ستشكّل عاجلاً أم آجلاً، ولكن لا أحد يملك حتى الآن تصوراً بشأن كيفية إيجاد مخرج لذلك التشكيل. والأكيد أن طرفاً ما سيتنازل في حينها.

وسط هذه القراءات، هناك من خرج بطرح جديد ينسجم مع الضغط الدولي، ولا سيما الأميركي، على إيران وحزب الله، وبما أن الإدارة الأميركية تبدو متشددة مع لبنان في وجوب تطبيق العقوبات واتخاذ موقف واضح منها. ويعتمد الطرح على مبدأ إنسحاب القوات والاشتراكي وحتى تيار المستقبل من عملية تشكيل الحكومة، لعدم تحمّل أي تداعيات اقتصادية جراء العقوبات وتأخر التشكيل، والذهاب إلى المعارضة، مقابل ترك العهد يشكّل الحكومة التي يريدها، والتي عليها إحراز تقدّم اقتصادي والالتزام بالإجراءات الأميركية والدولية. وفي حال لم تفعل، فلا تشمل الارتدادات هذا الثلاثي، الذي يتحمّل حاليّاً، إعلامياً، مسؤولية تأخير التشكيل وانعكاساته على الاقتصاد، خصوصاً أن تقارير عدة تفيد بأن ثمة انفجاراً اقتصادياً سيحصل.